للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعا إلى الله وأنذر، وقاد الناس إلى الخيرات وبشّر، ونصب أنموذج الهداية لمن خاف الله من ذات نفسه وفكّر».

وأكبر الظن أن كاتب هذا العهد ليس سلطان بن سيف نفسه، بل هو كاتب أديب من الإباضية كان يكتب بين يديه، بل لقد كان أديبا عالما، فهو يصدر فى أول العهد عن عقيدة الإباضية التى تحدثنا عنها فى الفصل الأول وأنهم كانوا يؤمنون بما آمن به المعتزلة من نفى التجسيم عن الله بكل صورة من صوره وتنزيهه تنزيها مطلقا عن الشبه بالمخلوقات وأن يلحق ذاته العلية كيف أو جهة أو أى صفة من صفات البشر. والكاتب أديب بارع، فقد التزم فى نحو صحيفة كبيرة صدّر بها الرسالة قافية الراء، وطاوعته دون أى عسر أو التواء، مما يدل على تملكه لناصية الكلام. وهو يعنى بالتنميق فى عباراته، إذ يضيف إليها وشى الجناس والتصاوير والاقتباس من الذكر الحكيم، على نحو ما يتضح فى اقتباسه لقوله جلّ شأنه: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} وقوله {فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}. وتكثر الاقتباسات والجناسات فى العهد بعد تلك المقدمة.

وقد ذكرنا فى الفصل الأول أن سلطان بن سيف أهم سلاطين اليعربيين الإباضيين قبض على صولجان الحكم فى دياره ومدينتا صحار ومسقط فى أيدى البرتغاليين، فطردهم كما مر بنا منهما ومن سواحل بلاده شر طردة مستعينا فى ذلك بأسطول ضخم حطم به أسطول البرتغال وسيطر به على الهند وشواطئها الغربية، كما سيطر به على شواطئ إفريقيا الشرقية وتعقب أسطولهم فى كل موقع، ويبدو أن سفنا منه حاولت الإلمام باليمن، فدمرها تدميرا. ونعجب أن يغضب من صنيعه أمير اليمن الزيدى إسماعيل بن القاسم (١٠٥٤ - ١٠٧٩ هـ‍) ويعجب سلطان بن سيف أشد العجب، ويتبادلان رسالتين، فى أولاهما يقول سيف بن سلطان لصاحبه (١):

«إنكم علينا عاتبون، ومنا واجدون، لأجل قطع جنودنا فى العام الماضى رقاب المشركين على بابكم، وأخذهم لسفنهم الواردة لجنابكم. ولعمرى إنا لندرى أن العتاب بين الأخلاء عنوان المودة الخالصة والصفاء، وزائد محض المودة الصادقة والوفاء، غير أنه يجب عند اقتراف الجرائم، وانتهاك المحارم. ونحن لم نقصد إلى انتهاك دارك سبيلا، ولا نجد لك على إلزامنا فعل ذلك دليلا، إذ كنا لم نجهز مراكبنا، ونتخذ مخالبنا، لمشارّة (لمخاصمة) رعيتك، ولا لاستباحة دم أهل حكمك وأقضيتك (أقاليمك) ولكن جهزنا الجيوش والعساكر، وأعددنا اللهاذم والبواتر، لتدمير عبدة الأوثان، وأعداء الملك الديّان


(١) التحفة ٢/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>