للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطل كأن ثيابه فى سرحة ... يحذى نعال السّبت ليس بتوءم (١)

فحين رأته يختال فى غضون الزّرد المصون (٢) أنشأت تقول:

نشدت أضبطا يمي‍ ... ل بين طرفاء وغيل (٣)

لباسه من نسج دا ... ود كضحضاح يسيل (٤)

فعرض له فى البادية أسد هصور، كأن ذرعه مسد (٥) مضفور:

فتطاعنا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مقنّع

فلما سمعت صياح الرّعيل (٦)، برزت من الخدر بصبر قد عيل (٧). فسألت عن الواحد، فقيل لها: لحده اللاحد:

فكرّت تبتغيه فصادفته ... على دمه ومصرعه السّباعا

عبثن به فلم يتركن إلاّ ... أديما قد تمزّق أو كراعا (٨)

وما هذه الأم الثكلى بأشدّ من عبدك تأسفا، ولا أعظم كمدا وتلهفا، وإنه ليعنّف نفسه دائما، ويقول لها لائما: لو فطنت لقطنت (٩) ولو عقلت لما انتقلت، ولو قنعت لرجعت، وما هجعت:

يقيم الرجال الموسرون بأرضهم ... وترمى النّوى بالمقترين المراميا (١٠)

وما تركوا أوطانهم عن ملالة ... ولكن حذارا من شمات الأعاديا

أيها السيد! أمن العدل والإنصاف، ومحاسن الشيّم والأوصاف، إكرام لمهان، وإذلال جواد الرّهان، يشبع فى ساجورة (١١) كلب الزّبل، ويسغب فى خيسه أبو الشّبل (١٢):

إذا حلّ ذو نقص مكانة فاضل ... وأصبح ربّ الجاه غير وجيه

فإن حياة الحرّ غير شهيّة ... إليه وطعم الموت غير كريه


(١) البيت لعنترة والسرحة: شجرة طويلة. يصف خصمه بالبطولة والطول كأنه سرحة أو شجرة سامقة ويصفه بالترف إذ ينتعل بنعال السبت الجيدة، كما يصفه بالقوة إذ ليس توأما شركه غيره فى بطن أمه.
(٢) غضون: ثنايا. ويريد بالزرد المصون الدرع.
(٣) الأضبط: العامل أو المقاتل بيمينه ويساره. والطرفاء: شجر. الغيل: الغابة.
(٤) تصف درعه وأنه متين من نسج داود، ويشبهون كثيرا الدروع وثناياها بغدران المياه حين هبوب الرياح عليها.
(٥) هصور: شديد. ذرع: طول. مسد: حبل.
(٦) الرعيل: القطعة من الخيل.
(٧) عيل: نفد.
(٨) الكراع: الساق.
(٩) قطنت: أقمت.
(١٠) المقترون: أصحاب العيش الضيق.
(١١) الساجور: خشبة صغيرة تعلق فى عنق الكلب.
(١٢) يسغب: يجوع. الخيس: غيل الأسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>