ورقبائه، وسوى من كنا نسمعه ممن لا يتظاهر بالغناء وبالضرب إلا إذا نشط فى وقت أو ثمل (سكر) فى حال، وخلع العذار فى هوى قد حالفه وأضناه».
ولا ريب فى أنه كان بجوار أولئك المئات من المغنيات مئات من المغنين، وكم كنا نتمنى لو أن أبا حيان أطال وأملّ وصنف فى أغانى عصره كتابا ككتاب أبى الفرج الأصبهانى، ولكنه لم يعن بذلك فخسر الشعر والغناء خسارة كبرى لأن معاصريه ومن جاءوا بعده لم يحاولوا التأليف فى الأغانى والمغنيات والمغنين على غرار صنيع الأصبهانى.
وأكبر الظن أن هذا الازدهار للغناء ظل حتى غزو التتار لبغداد، وبقيت منه أسراب فى الحقب المغولية، إذ نجد ابن بطوطة حين زار بغداد سنة ٧٢٧ يذكر أنه رأى السلطان الإيلخانى بو سعيد فى سفينة بدجلة يتنزّه، وعن يمينه وشماله قوارب وسفن لأهل الطرب والغناء، ويذكر أيضا أنه رأى هذا السلطان فى أحد مواكب تنقله، ومع كل أمير من أمرائه عسكره وطبوله، وكان يتقدم الموكب الحجاّب والنقباء ثم أهل الطرب وهم نحو مائة رجل، كانوا يغنون فى مجموعات بالتناوب، ولا يزالون يتداولون الغناء بينهم، حتى ينزل بو سعيد، فإذا ركب عادت المجاميع إلى الطرب والغناء (١).
ولم تكن الطبقة الدنيا تنعم بالغناء نعيم الطبقة الأرستقراطية، والمظنون أن الطبقة الوسطى كانت تنعم به بعض الشئ، أما من وراءهم من عامة الناس فلم يكن لديهم من المال ما يجعلهم يأخذون بنصيب من هذا النعيم، إلا ما قد ينعمون به فى الأعياد العامة، وعادة كانت بغداد تزيّن بالأعلام ذات الألوان الزاهية فى عيدى الفطر والأضحى، ومع مواكب الحج فى رحيلها وقدومها، وظل الاحتفال بذلك كله حتى نهاية هذا العصر، وكانوا يحتفلون بأعياد الفرس ويخرجون فيها للمتنزهات وسماع المغنين والمغنيات، وأهمها عيد المهرجان فى السادس والعشرين من أكتوبر، ويستمر ستة أيام ويسمى اليوم السادس منه المهرجان الأكبر، ويأتى بعده عيد السّذق، وهو يوافق عيد الميلاد، وفيه تشعل النار فى السفن والزوارق بدجلة، وتخرج العامة للفرجة عليها وبأيديهم الشموع، ويلى هذا العيد عيد النيروز فى أول الربيع، ويبتدئ فى الحادى والعشرين من مارس ويستمر ستة أيام مثل عيد المهرجان. وبجانب ذلك كانوا يحتفلون بأعياد النصارى ويخرجون فيها للمتنزهات والأديرة، وكان لكل دير عيده.
ومن المحقق أن العامة كانت تعانى كثيرا من الضنك والضيق لكثرة الضرائب التى كانت تجبى منها وقلة ما كان يعود عليها من الكسب، وقد يدل على ذلك من بعض الوجوه أن