للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروايات المنسوبة إلى الأئمة فى البيئة الإمامية فهى أقوى عندهم من كل برهان لأنهم فى رأيهم معصومون منزهون عن الخطأ.

وتلتقى العقيدة الإمامية مع الاعتزال فى كثير من الأصول، فالإمامية كالمعتزلة يرون أن صفات الله قائمة بذاته، فهو عالم بذاته لا بعلم، وكذلك بقية صفاته، ويروون عن جعفر الصادق: «العلم ذات الله ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور (١)». وهم كالمعتزلة ينفون التشبيه عن الله، فهو منزه عن المكان والزمان والشبه بالمخلوقات، إذ ليس جسما ولا عرضا ولا جوهرا، وقد سلكوا مسلك المعتزلة فى تأويل الآيات القرآنية التى قد تفيد مشابهة الذات العلية للمخلوقات فى مثل {(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)} فمعنى اليد القدرة. وهم كالمعتزلة فى إثبات العدل على الله، أما أفعال العباد فيقفون فيها موقفا وسطا بين المعتزلة والقائلين بالجبر، فهى بين بين، أو هى بين الاستطاعة والجير. وظلت الصلة قوية بين الإمامية والاعتزال طوال العصر.

وقد أخذ المذهب الإمامى الاثنا عشرى ينتشر فى العراق منذ أوائل هذا العصر، إذ تحول صولجان الحكم إلى البويهيين وكانوا إمامية، ونرى حاكمهم الأول معز الدولة يأمر فى سنة ٣٥١ بلعن معاوية وكبار الصحابة وكتب بعض الشيعة ذلك على حيطان المساجد، فمحا الكتابة أهل السنة (٢). ولم يلبث معز الدولة أن أمر أهل بغداد بالاحتفال بيوم عاشوراء فى سنة ٣٥٢ وهو اليوم الذى استشهد فيه الحسين، وقد أصبح منذ هذا التاريخ أكبر عيد للشيعة، وفيه أمر معز الدولة أن تغلق الأسواق ويعطّل البيع والشراء ولا يذبح القصّابون ولا يطبخ الطبّاخون وأصحاب الحلوى، والجميع ينوحون ويبكون الحسين وينصبون القباب ويتخذون المسوح وتخرج النساء منشورات الشعور مسوّدات الوجوه مشقوقات الثياب ويدرن فى بغداد نائحات لاطمات وجوههن على الحسين (٣). وفى هذا اليوم يزار قبر الحسين بكربلاء، ويقام فيها عليه مأتم كبير كمأتم بغداد، ويقام أيضا فى المدن العراقية الأخرى. ولا يزال يقام هذا المأتم إلى اليوم. وفيه يقام موكب كبير للنائحين ببغداد، وتتلى سيرة الحسين فى البيوت والنوادى وتنشد مراث كثيرة فيه وفى أبيه وفى الأئمة المستشهدين، يصوّر فيها الشعراء محن آل البيت على مر التاريخ. وبجانب هذا العيد الحزين عيد فرح


(١) الفصول المهمة فى أصول الأئمة للعامل (طبع النجف) ص ٥٣ وانظر جولدتسيهر ص ١٩٨ وما بعدها.
(٢) انظر ابن الأثير وأبا الفدا فى حوادث عام ٣٥١.
(٣) المنتظم ٧/ ١٥ وابن الأثير وابن تغرى بردى فى حوادث عام ٣٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>