للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحمن السّلمىّ صاحب طبقات الصوفية، ولقّنها بدوره تلميذه عبد الكريم القشيرى المتوفى سنة ٤٦٥ وقد ألف رسالة طويلة مشهورة رأب بها هذا الصدع الذى حدث بين الفقهاء والمتصوفة. ودوّت الرسالة منذ عصره فى العالم الإسلامى، وهو فيها يرسم مبادئ التصوف مبينا أنها لا تناقض الدين الحنيف بل تتحد معه فى وئام، ويعرض أعلام الصوفية مع طائفة من أقوالهم التى تربط بين التصوف والنهوض بفرائض الإسلام مع حملة شعواء على من يستخفّون بالصوم والصلاة وأداء الفروض الدينية وعلى من لا يميّزون بين الحلال والحرام مدّعين أنه زالت عنهم أحكام الدين. وخلفه أبو حامد الغزالى حجة الإسلام المتوفى سنة ٥٠٥ فوصل بين التصوف والشريعة وصلا وثيقا لم يصبه وهن بعده، بحيث أصبح التصوف فى صورته العامة سنّياّ، وحقا انفصلت عنه بعض أسراب فلسفية استمرت فيها فكرة الحلول، ولكنها أسراب فردية على نحو ما هو معروف عن ابن عربى وابن سبعين الأندلسيين. أما بعد ذلك فقد عم التصوف السنى على نحو ما رسمه الغزالى فى كتابه «إحياء علوم الدين» وهو فى النصف الأول منه يتحدث عن الفرائض الدينية والنوافل من مثل الذكر وتلاوة القرآن والتهجد والأدعية. ويبدأ الحديث فى النصف الثانى بما ينبغى من صفاء القلب صفاء تقهر فيه النفس شهواتها وملاذها. ثم يتحدث عن صفات الكمال الروحى الذى يتطلبه الصوفى وما ينبغى له من التوبة والصبر والشكر والخوف والرجاء والزهد والتوكل والحب والإخلاص والمحاسبة والتفكر وتذكر الموت وما وراءه. وسنعود إلى الكتابة عن الغزالى والقشيرى وأبى نصر السراج الطوسى فى القسم الخاص بإيران. وسرعان ما أصبح هذا التصوف السنى القائم على أعمال الجوارح من الفرائض الدينية وأعمال القلب من الإخلاص وصدق المحبة الإلهية مطلب كثرة من الناس فى العالم الإسلامى جميعه. والغزالى لا يضع أصوله فحسب، بل يعدّ العدة لكى تشيع الطرق الصوفية فيه، فقد تحدث فى الجزء الثالث من الإحياء عن الشيخ الصوفى وتلميذه أو مريده، وقال إنه ينبغى أن يلزم شيخه لزوم الأعمى الماشى على شاطئ النهر لمن يقوده، ويقول: على الشيخ أن يدفعه إلى الخلوة والصمت والصوم والأرق مع دوام الذكر ومع التخلص من كل الشهوات. وسرعان ما أخذت الطرق الصوفية فى الظهور، ومن أقدمها الطريقة القادرية المنسوبة إلى الشيخ محيى الدين أبى محمد عبد القادر (١) الجيلانى مولدا الحسينى نسبا المتوفى سنة ٥٦١ وقد ولد بجيلان سنة ٤٧١ وجاء إلى بغداد فى شبابه ولزم حلقات الفقهاء والمحدّثين، ثم أخذ يعظ


(١) انظر فى الجيلانى الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب والنجوم الزاهرة ٥/ ٣٧١ وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطى (طبع لاهور) ٥/ ٣٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>