الناس بعد سنة ٥٢٠ وبنيت له مدرسة فلزمها وتكاثر الناس على سماع وعظه إلى أن لبّى نداء ربه، ويقول عنه ابن تغرى بردى:«كان ممن جمع بين العلم والعمل أفتى ودرّس ووعظ سنين، وكان محققا صاحب لسان فى التحقيق وبيان فى الطريق، وهو أحد المشايخ الذين طنّ ذكرهم فى الشرق والغرب». وله كتابان مطبوعان يصوران طريقته هما سر الأسرار والغنية لطالبى طريق الحق، وهو فيهما يدعو إلى التمسك بالشريعة الإسلامية وأداء الفرائض الدينية مع الخلوص للمحبة الإلهية. وقد وضعت فى مناقبه كتب كثيرة، منها كتاب بهجة الأسرار ومعدن الأنوار فى مناقب القطب الربانى سيدى محيى الدين أبى محمد عبد القادر الجيلانى، وهو مطبوع بالقاهرة.
ومن الطرق الصوفية العراقية التى ذاعت فى العالم الإسلامى الطريقة الرفاعية المنسوبة إلى الشيخ الصالح العربى الأصل أبى العباس أحمد (١) بن أبى الحسن على المعروف بالرفاعى «إمام وقته فى الزهد والصلاح والعبادة» وقد شاعت طريقته فى عصره وكثر أتباعه. ويقال إن شخصا زاره فى ليلة النصف من شعبان، فوجد عنده نحو مائة ألف إنسان «وكان متواضعا مجرّدا من الدنيا». وكان مولده سنة ٥٠٠ ووفاته سنة ٥٧٨. ومن قوله:«سلكت كل طريق، فما رأيت أقرب ولا أسهل ولا أصلح من الذل والافتقار والانكسار لتعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله والاقتداء بسنّة سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وله كتاب سماه «حالة أهل الحقيقة مع الله» حققه وقدم له محمد نجيب خياطة، وهو مطبوع بحلب، وقد بناه الرفاعى على أحاديث نبوية، وكثير منها يتصل بالمحبة الربانية ومعرفة الله ووصف المتصوفة أهل الحقيقة، وقد سئل أحد أتباعه عن ورده، فقال: كان يصلى أربع ركعات بألف {(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)} ويستغفر كل يوم ألف مرة، واستغفاره أن يقول: {(لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ)} عملت سوءا وظلمت نفسى وأسرفت فى أمرى، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لى، وتب علىّ، إنك أنت التواب الرحيم، يا حىّ، يا قيوم، لا إله إلا أنت» -ويقول ابن خلكان: لأتباعه أحوال عجيبة من أكل الحيات وهى حية والنزول فى التنانير وهى تتضرّم نارا فيطفئونها، ومثل هذا وأشباهه.
وبجانب هاتين الطريقتين العراقيتين: الرفاعية والقادرية كان هناك أقطاب للصوفية