للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرون من أمثال المرتضى الشهرزورى، وشهاب الدين أبو حفص (١) عمر السّهروردى البغدادى، وهو تلميذ عبد القادر الجيلانى، وله كتاب يسمى عوارف المعارف يوضح فيه ما يجب على المتصوف من أداء الفرائض الدينية ومتابعة السنة النبوية، ومن أطرف ما فيه الحديث عن المريد وشيخه وأنه ينزل منه منزلة الولد من أبيه. ويتحدث عن المدة التى يقطعها المريد حتى يتهيأ لانتظامه فى طريقة شيخه ويصبح معداّ أو مهيّأ لأن يخلع عليه «الخرقة» شعار الصوفية وهى ترمز رمزين: رمزا إلى أن المريد تلاشت إرادته فى إرادة شيخة، ورمزا ثانيا إلى أنه قد تسلم منه الخرقة ويد الله ورسوله فوق يد شيخه وأنه قد تم له الإذن بانتظامه فى الطريقة. ويقول السهروردى إن «المريد الصادق إذا دخل تحت حكم الشيخ وصحبه وتأدب بآدابه يسرى من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج، وكلام الشيخ يلقح باطن المريد. . . وينتقل الحال من الشيخ إلى المريد بواسطة الصحبة وسماع المقال» (٢). ويتحدث السهروردى عن آداب الخلوة اللازمة للمتصوف، ويقول إن الخلوة تستغرق أربعين يوما من كل عام، تقضى فى الصلاة والصيام، ويذكر أن الغرض منها تصفية النفس وإزالة الحجب البدنية، ولذلك ينبغى على المريد إذا أراد الخلوة أن يجرد نفسه من العالم ومن كل ملكه، ويصلى ركعتين ويتوب إلى الله توبة نصوحا، ويبكى ويتضرع إليه ولا ينقطع عن ذكره طوال خلوته (٣). وكان على المريد أن ينشر طريقة شيخه فى المدن والقرى بكل ما يستطيع، وبذلك أمكن للطريقتين القادرية والرفاعية أن ينتشرا لا فى العراق فحسب بل أيضا فى كل العالم الإسلامى.

ومنذ القرن الخامس الهجرى أخذ يشيع فى التصوف وبين المتصوفة ما سمّى بالذكر، وهو أن يتقابل الصوفية فى صفين ذاكرين الله مع التمايل يمينا وشمالا، ويقوم بين الصفين منشد ينشد بعض الأشعار الصوفية أو الغزلية الوجدانية التى تدلع المحبة الإلهية فى القلوب، وقد عمّ هذا الذكر عند القادرية والرفاعية وما نشأ بعدهما من طرق صوفية. ولابدّ أن نلاحظ أنه أخذت تنشأ فى الحقب المتأخرة من هذا العصر أو قل منذ أواسطه جماعات الدراويش، وهم صوفيون متجوّلون كانوا يطوفون العالم الإسلامى، وأخذت تظهر بينهم


(١) انظر فى ترجمته ابن خلكان ٣/ ٤٤٦ وعبر الذهبى ٥/ ١٢٩ وطبقات الشافعية ٨/ ٣٣٨ ومرآة الزمان ٨/ ٦٧٩ والنجوم الزاهرة ٦/ ٢٨٤.
(٢) انظر كتابه عوارف المعارف (طبع دار الكتاب العربى ببيروت) ص ٩٦، وينسب الكتاب خطأ إلى عمه عبد القاهر بن عبد الله السهروردى.
(٣) عوارف المعارف ص ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>