للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملائكة كرام كاتبون، وحفظة حاسبون، يلقونه بأمر الله على من اصطفاه من خلقه وارتضاه لخلافته فى أرضه» (١). والإسماعيلية معروفون بترتيب أتباعهم فى طبقات، ونرى أبا سليمان المنطقى السجستانى حين يقتبس نصّا من الرسائل لأبى سليمان المقدسى يقتبس له النص الذى رتب فيه جماعتهم، وقد جعلهم فى أربع مراتب حسب أعمارهم وقواهم، أما المرتبة الأولى فلمن بلغوا خمس عشرة سنة وهم أصحاب القوة العقلية والنفوس الصافية.

والمرتبة الثانية لمن بلغوا الثلاثين سنة وهم أصحاب القوة الحكيمة الرؤساء ذوو السياسة.

والمرتبة الثانية لمن بلغوا الأربعين وهم أصحاب القوة الناموسية أولو الأمر والنهى. والمرتبة الرابعة لمن بلغوا خمسين سنة وهى مرتبة التسليم ومشاهدة الحق عيانا. ونراهم يطلبون إلى إخوانهم فى كل قطر أن يعقدوا اجتماعات دورية يتذاكرون فيها العلم وشئون الإخوان.

وكل ذلك دليل على أنهم كانوا يريدون برسائلهم تنظيم الدعوة الإسماعيلية، أما لماذا أخفوا أسماءهم فلأنهم كانوا يعيشون فى العراق وسط أصحاب المذهب الإمامى الاثنى عشرى، فخافوا على أنفسهم وخاصة أنهم هاجموا هذا المذهب الشيعى كما قدمنا.

ومع ذلك فيبدو أنهم حاولوا نشر مذهبهم فى بغداد، إذ يحدثنا أبو حيان عن لقائه المتكرر لاحدهم، وهو زيد بن رفاعة. وينقل مناقشة طويلة بين أبى سليمان المقدسى والحريرى فى وصل إخوان الصفا بين الشريعة والدين. ويبدو أن استيلاء عضد الدولة على بغداد سنة ٣٦٧ هيأ لهم هذه الفرصة، فقد كان يقرب القرامطة الإسماعيليين منه، وكان يتخذ أحيانا لنفسه منهم وزيرا أو نائبا، ويقول صاحب النجوم الزاهرة إنه كان يتشيع ويكرم جانب الرافضة (٢). على كل حال يبدو أن دعوة المقدسى وزيد بن رفاعة باءت بالإخفاق والخذلان فى بغداد خذلانا إلى أقصى حد.

وتشير هذه الرسائل-كما مر بنا-إلى أن الفلسفة وعلوم الأوائل كانتا من مدارك الطبقة العامة المثقفة فى مطالع هذا العصر، عصر الدول والإمارات، وخاصة فى بغداد. ولعل أكبر شخصية متفلسفة كانت بها حينئذ شخصية أبى سليمان (٣) المنطقى السجستانى، الذى نشأ بسجستان وشدا فيها علوم الأوائل، ويبدو أنه أراد منها زادا أكبر، فرحل إلى بغداد فى شبابه، ولزم يحيى بن عدى وأخذ عنه كل ما عنده، وسرعان


(١) رسائل إخوان الصفا ٤/ ١٠٣ وما بعدها.
(٢) النجوم الزاهرة ٤/ ١٤٢.
(٣) انظر فى أبى سليمان المنطقى القفطى ص ٢٨٢ والإمتاع والمؤانسة فى مواضع متفرقة (انظر الفهرس) وكذلك المقايسات، وراجع ابن أبى أصيبعة ص ٤٢٧ والفهرست ص ٣٨٣ وبروكلمان ص ١٥١ ومقدمة عبد الرحمن بدوى لصوان الحكمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>