للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير من الحنابلة يدرسون فى جامع المنصور وفى بعض مدارس بغداد المتفرقة.

وكان مذهب داود الظاهرى فى الفقه الذى تحدثنا عنه فى العصر العباسى الثانى لا يزال له أنصار فى القرنين الأولين من هذا العصر، وهو مذهب كان ينكر القياس والرأى فى الفقه، وتبعه كثيرون فى المائتين الرابعة والخامسة فى الأندلس، إذ عمل هناك ابن حزم المتوفى سنة ٤٥٦ على إذاعته، وألف كتبا كثيرة لنصرته، ونجد أحد تلاميذه وهو الحميدى (١) محمد بن فتوح المتوفى سنة ٤٩١ يستوطن بغداد منذ أواسط القرن الخامس وفيها أذاع كثيرا مما كان يحمله عن أستاذه ابن حزم. ولا نزال نسمع فى العراق وبغداد عن أتباع المذهب الظاهرى حتى أوائل القرن السابع الهجرى، إذ نجد من معتنقيه أبا سليمان (٢) الداودى الضرير المتوفى سنة ٦١٥. وكان الطبرى مفسر القرآن العظيم قد اتخذ لنفسه مذهبا فقهيا يقوم على الاجتهاد، ولكن مذهبه لم ينجح نجاح المذهب الظاهرى، ومع ذلك نجد من أتباعه فى أواخر القرن الرابع الهجرى المعافى (٣) بن زكريا النهروانى المتوفى سنة ٣٩٠ وهو من قضاة بغداد، ويقول ابن خلكان فى ترجمته: إنه كان للطبرى أتباع وأخذ بمذهبه جماعة، منهم المعافى المذكور. وعلى كل حال لم يعش هذا المذهب الفقهى طويلا، وعاش مدة أطول منه المذهب الظاهرى فى بغداد، غير أننا لا نعود نسمع به بعد إنشاء المدرسة المستنصرية، إذ كانت العناية فيها فقط بالمذاهب الفقهية الأربعة: مذاهب أبى حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل.

وكان الفقه الشيعى يقابل كل هذه المذاهب، وكان هناك فقهان: فقه الزيدية وفقه الإمامية، وكانت الكوفة مركز الفقه الأول فى القرن الرابع الهجرى، وانقسم فقهاؤها إلى أربعة مذاهب على نحو ما يوضح ذلك كتاب الجامع (٤) الكافى فى فقه الزيدية لأبى عبد الله محمد بن على الحسنى المتوفى سنة ٤٤٥. ويبدو أن نشاط الفقه الزيدى هناك توقف منذ القرن الخامس، إذ استغرق الكوفة وبغداد المذهب الإمامى عند الشيعة، وكأن نشاط الفقه الزيدى انسحب إلى اليمن: أما الفقه الإمامى فيأخذ فى النشاط طوال العصر، منذ ألف الكلينى (٥) الرازى محمد بن يعقوب كتابه الكافى فى علم الدين، وقد توفى ببغداد


(١) انظره فى ابن خلكان ٤/ ٢٨٢ وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٧ والمنتظم ٩/ ٩٦ والصلة لابن بشكوال (طبع القاهرة) ٥٣٠ والواقى ٤/ ٣١٧.
(٢) راجعه فى طبقات القراء ١/ ٢٧٨.
(٣) انظره فى ابن خلكان ٥/ ٢٢١ وما به من مراجع
(٤) انظر بروكلمان: تاريخ الأدب العربى (طبع دار المعارف) ٣/ ٣٣٤
(٥) راجعه فى الأنساب ٤٨٦ والرجال للنجاشى ٢٦٦ وروضات الجنات ٥٥٠ ولؤلؤة البحرين ليوسف البحرانى ٣١٤ وبروكلمان ٣/ ٣٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>