ما طلّ، ولا بلّ غليل الصّادى ... حتى قرب البين ونادى الحادى
فصاحبته زارته دون موعد، مختالة بجمالها كغصن متمايل، ويقول إنها ما طلّت وزارت، ولا بلّت غليله المتقد الظامئ للقاء، حتى كان الفراق ونادى حادى الركب، فجاءت تودعه من وقوف أو كما يقال: ما سلّمت حتى ودّعت. ومن رباعياته الخمرية قوله:
رقّت وصفت واسترقت ألبابا ... راح لبست من الضّنا جلبابا
يا بدر أدر وعدّ عمّن يابى ... كأسا، طرد الهمّ بها فانجابا
والرّباعية فيها شئ من روح رباعيات الخيام وما فيها من دعوة إلى العكوف على شرب الخمر، أو بعبارة أدق الفرار إليها من الهم والغم، حتى تنتعش النفس، كما يقول، وتطرح عنها بؤس الحياة بما تعبّ من دنان الخمر وما تجد فى مجلسها من أنس وطرب. ويسوق صاحب رسالة الدوبيت الثانية تسع رباعيات قائلا إنه مما أنشده أبو عبد الله محمد بن حامد الأصبهانى صاحب الخريدة، ويستهلها بالرباعية التالية:
الورد على خدّك من أنبته ... والمسك على وردك من فتّته
والقلب على نأيك من ثبته ... اجمع شملا هواك قد شتّته
وهى رباعية بديعة بما اشتملت عليه من تصوير يحمل غير قليل من المفاجأة، حين يجعل صاحبها الخد وردا حقيقيا، ويعود فيجعله ناشرا لأريج عطر حوله، وكأن مسكا ذرّ عليه ونثر، ويعجب أن تنأى صاحبته وقلبه لا يزال فى صدره. وإن فؤاده ليتوزع فرقا، ويضرع لصاحبته أن تجمع شمله المشتت، لعل صوابه يردّ إليه. ويسوق صاحب رسالة الدوبيت الثانية أيضا طائفة من رباعيات أنشدها ابن الجوزى نيّفت على عشر، وموضوعها غزل ولكنه غزل صوفى، فقد كان ابن الجوزى من كبار الوعاظ وكان سنى التصوف، ومما أنشده:
الحبّ يقول لا تشع أسرارى ... والدمع يسيل هاتكا أستارى
والشوق يزيد، لا على المقدار ... وا نارى! من هذا الهوى وا نارى
فحبيبه يطلب إليه أن يكتم حبه، وهو لا يستطيع له كتمانا، إذ دائما يبكى طالبا الوصال، ملحا فى طلبه وفى بكائه، والدموع تسيل مدرارا كسحب منهلة، والشوق يلذعه ويكويه وهو يتوجع من نيرانه. إنه حب الذات العلية الذى يضنى ويسقم والمحب يتألم آلاما لا يطيقها إلا الصابرون المولعون بوصال الذات الربانية. ومما أنشده