للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دار متى ما أضحكت فى يومها ... أبكت غدا بعدا لها من دار

فإننا إذ اوقفنا عند الكلمة الدالية فى الشطر الثانى أصبح البيتان من مجزوء الكامل على هذا النحو:

يا خاطب الدنيا الّدنيّ‍ ... ة إنها شرك الرّدى

دار متى ما أضحكت ... فى يومها أبكت غدا

وبجانب هذا التمرين الهندسى الذى لا يضيف معنى نجده فى مقامته التى سماها بالرّقطاء يبتكر تمرينا أحد حروف كلماته منقوط وتاليه غير منقوط من مثل قوله:

مخلف متلف أغرّ فريد ... نابه فاضل ذكىّ أنوف

ويتلو هذا التمرين بتمرين مماثل فى نفس المقامة، وكرر ذلك فى المقامتين المرويّة والبكرية. ونراه فى المقامة الحلبية يبتدع تمرينا شعريا من طراز خطّىّ آخر هو طراز الحروف الخالية من النقط فى مثل قوله:

أعدد لحسّادك حدّ السّلاح ... وأورد الآمل ورد السّماح

ولا يكتفى بهذا التمرين، بل يضيف إليه تمرينا شعريا خطّيّا ثانيا، كل كلماته مؤلفة من حروف معجمة أو منقوطة من مثل قوله:

فتنتنى فجنّنتنى (تجنّى) ... بتجنّ يفتنّ غبّ تجنّى

وكأن هذين التمرينين الهندسيين فى تلك المقامة لم يقنعاه، أو كأنه أحسّ أنه من الممكن محاكاتهما فجاء بتمرين خطى ثالث، لا يتعلق هذه المرة بالنقط وعدمه، بل يتعلق بشكل الحروف، إذ يظن من ينظر إلى كلماتها نظرة سريعة أنها متماثلة مثل:

زيّنت زينب بقدّ يقدّ ... وتلاه-ويلاه-نهد يهدّ

وواضح أن بين كل لفظين متواليين تجنيسا خطيّا واضحا. وكل ذلك ليس شعرا وإنما هو تمارين أو لعب هندسية (١)، غير أنهم كانوا يعجبون بها، ولذلك نرى الشعراء-وخاصة المتأخرين-ينظمون منها كثيرا. ومن تتمة هذه التمارين الهندسية فى العصر كثرة الألغاز والأحاجى فى الشعر وقد خصوها بالتأليف اهتماما بها، من ذلك كتاب الإعجاز فى الأحاجى والألغاز للحظيرى وعنه ينقل العماد فى الخريدة (٢)، ولا يلبث أن يترجم لشاعر شغف بها هو الحكيم (٣) النيلى الطبيب، ويذكر له طائفة من


(١) من هذه اللعب ما رواه العماد من قصائد أولها تاء وآخرها تاء أو أولها جيم وآخرها جيم أو أولها دال وآخرها دال انظر الخريدة (قسم العراق) ٤/ ٢/٧٤٩ وقسم الشام ٢/ ٥٤٦
(٢) الخريدة (قسم العراق) ٤/ ٢/٤٧٥
(٣) نفس المصدر ص ٤٩٨ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>