أن أسرهم كانت وضيعة، بل إننا نجد سيد بنى عامر وفارسهم فى الجاهلية عامر ابن الطفيل يقول:
وما سوّدتنى عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب
فهو يفخر بأن سيادته لقومه ليست وراثة عن آبائه، مع أنهم كانوا سادة بنى عامر فعلا، ويريد أن يقول إنه ساد بنى عامر ببأسه وأعماله المجيدة، بالضبط كما قال المتنبى:
لا بقومى شرفت بل شرفوا بى ... وبنفسى فخرت لا بجدودى
على أن المتنبى يعود فيفخر بقومه، أما عامر فيطلق فخره بنفسه إطلاقا. ولعل فى ذلك ما يدل على أن كل ما رتبه بعض المعاصرين على هذين البيتين للمتنبى وما حاولوا أن يسوقوا من شك فى نسبه غير صحيح. ومن المؤكد الذى لا يرقى إليه شك أن المتنبى كان عربيا صميما وأن العرب لم ينبت بينهم شاعر قبله ولا بعده استشعر العروبة استشعاره حتى لو أردنا أن نقيم للعروبة والعرب تمثالا لكان المتنبى هو الشاعر الخليق بأن يقام له هذا التمثال، وقد لبس درعا، وشدّ فى وسطه منطقة وسيفا، وفى إحدى يديه رمح مصوّب وفى الأخرى ريشة الشاعر، وهو يمتطى حصانا وكأنه يطلب القتال والنزال. فهو هذا التمثال الذى يرمز أروع رمز إلى العرب واستصغارهم لذوى الحكم والسلطان وصياحهم فى وجوه أعدائهم، وإنه ليصيح بكل قوته هادرا عاصفا، يريد أن يوقظ من حوله من العرب ويستنقذهم مما تورطوا فيه من هوان وتواكل واستسلام لحكامهم العاتين، ومن أجل ذلك يصور نقائصهم بمثل قوله:
ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام
وليس ذلك عن بغض للناس كما قال بعض المعاصرين وإنما محاولة صارمة لتخليصهم من أخلاقهم الذميمة التى جعلتهم يخنعون لحكامهم الأعاجم الذين كانوا يرهقونهم من أمرهم عسرا.
وستتضح شخصية المتنبى حين نتابعه فى حياته، وقد رأيناه يخرج إلى البادية فى سن التاسعة ويعود فى الثانية عشرة من سنّه، ويكبّ على كل ما كان فى الكوفة من ثقافات، فإذا هو يلتهم كتب اللغة التهاما ويلتهم أيضا كتب النحو. ويتعرف على كتب الفلسفة عن طريق ممدوح كوفى له يسمى أبا الفضل وعن طريقه يتعرف على التصوف. وبكل ما قدمنا نستطيع أن نعرف العناصر التى أسهمت فى تكوين شخصيته، فهو عربى لحما ودما، وتستأثر