واطلب العزّ فى لظى ودع الذ ... لّ ولو كان فى جنان الخلود
أنا ترب النّدا وربّ القوافى ... وسمام العدا وغيظ الحسود
أنا فى أمة تداركها اللّ ... هـ غريب كصالح فى ثمود
وكان تشبيهه لنفسه فى القصيدة بالمسيح وبالنبى صالح سببا فى أن يتهمه بعض معاصريه بادعائه النبوة، وبالغوا فزعموا أنه ادّعى لنفسه قرآنا ذكروا بعض فقر منه، وكل ذلك غير صحيح، فقد كانت ثورته سياسية قومية لا دينية ولا قرمطية كما توهم بعض الباحثين. أما لقبه المتنبى فهو الذى لقب نفسه به، أو لعل بعض المعجبين بشعره هم الذين لقبوه به، رمزا لعبقريته الشعرية وأنه يأتى فى أشعاره بالمعجز الذى ليس له سابقة. وهو يضع فى البيتين الثانى والثالث دستور العرب على مرّ التاريخ فإما العيش العزيز وإما الموت الكريم فى ساحة الشرف والنضال، ولا حياة بدون العزة والكرامة. وإن العربى الحرّ ليفضّل العز فى الجحيم على الذل فى الفراديس. ويترك قرية نخلة إلى بادية اللاذقية ويتبعه كثيرون لأواخر سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ويقود ثورة ضارية، وكان لا يزال فى العشرين من عمره.
ويقضى لؤلؤ والى حمص من قبل الإخشيد على ثورته ويزجّ به فى غياهب السجن. ويظل به نحو سنتين، وتردّ إليه حريته، ويعود إلى توقيع أشعاره على قيثارته فى مديح ولاة البلدان الشامية، وخاصة بدر بن عمار الأسدى صاحب دمشق من قبل بغداد، ووجد فيه المتنبى أمنيته فى فارس عربى، فمدحه ونوّه بفروسيته فى تصويره الرائع لفتكه بأسد، مستهلا له بقوله:
أمعفّر اللّيث الهزبر بسوطه ... لمن ادّخرت الصّارم المصقولا
يقول له إنك صرعت الأسد بسوطك فلمن أبقيت سيفك، ومضى يشيد ببأسه ومضائه. وظل لا ينسى دعوته إلى الثورة مستنهضا همم قومه ضد حكامهم الأعاجم بمثل قوله:
لا يعجبنّ مضيما حسن بزّته ... وهل يروق دفينا جودة الكفن
وقوله:
ذلّ من يغبط الذّليل بعيش ... ربّ عيش أخفّ منه الحمام
من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميّت إيلام
وفى أواخر هذا الاضطراب بين ولاة الشام التابعين لبغداد والآخرين التابعين لمصر جاءه