للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ورائها نفس تزمجر، لها أنياب الأسد ومخالبه، ويصور ذلك تصويرا رائعا فى قصيدة مدح بها كافورا سنة تسع وأربعين إذ يقول:

وفى الجسم نفس لا تشيب بشيبه ... ولو أنّ ما فى الوجه منه حراب

لها ظفر إن كلّ ظفر أعدّه ... وناب إذا لم يبق فى الفم ناب

فاليأس المرير الذى ذاقه طوال أربع سنوات مجدبة لم يمس نفسه، بل ظلت فتية فتوة خليقة بكل إكبار. وفى أواخر مقامه بمصر ألمّت به حمّى، فوصف نزولها به فى الظلام ومبيتها فى عظامه وأثرها فى جسمه وصفا رائعا، ولها يقول بيته البديع:

أبنت الدّهر عندى كلّ بنت ... فكيف وصلت أنت من الزّحام

وعرّض فى القصيدة برحيله، فقد أحسّ بإخفاق رحلته إلى مصر وارتحل بليل، وهو يرمى كافورا بشواظ من هجائه على نحو ما نرى فى داليته، وقد مزّق فيها أديمه تمزيقا بمثل قوله:

لا تشتر العبد إلا والعصا معه ... إن العبيد لأنجاس مناكيد

وسقط بعض شرر من هجائه على مصر، ولكنه لم يكن يقصدها لنفسها، إنما كان يقصد كافورا بهجائه وذمه. وقد بارحها فى أواخر سنة ثلاثمائة وخمسين، واتجه إلى الكوفة مسقط رأسه، واشترك مع أهلها فى الدفاع عنها حين هاجمها القرامطة، ولعل فى ذلك ما يقطع بأنه لم يكن قرمطيا يوما. ويرسل إليه سيف الدولة بهدية ومعها كتاب بخطه ويرد عليه بلامية بديعة يستحثه على منازلة البويهيين الأعاجم ببغداد وينزلها فى سنة إحدى وخمسين، وفيها يجتمع له كثيرون يأخذون عنه ديوانه، ويتعرض له الحاتمى-بإيعاز من الوزير المهلبى- ينقد بعض أشعاره، وتكون فى ذلك قطيعة بينه وبين الوزير فلا يمدحه، ويعود إلى الكوفة بعد أشهر، ويكاتبه ابن العميد فى سنة ثلاث وخمسين متوددا إليه آملا فى زيارته ويقدم عليه فى «أرّجان» سنة أربع وخمسين ويمدحه بقصيدة يشيد فيها بالضاد قائلا فى وصفه:

عربىّ لسانه فلسفىّ ... رأيه فارسيّة أعياده

فمفخرة ابن العميد الكبرى فصاحة لسانه وعروبة بيانه، ويستقدمه عضد الدولة إلى «شيراز» ويمرّ ببستان يسمى «شعب بوّان» ويروعه جماله، غير أنه مع روعته كدّر نفسه أن لا يرى أثرا للعروبة فيه وفيما حوله من ديار، مما جعله يفتتح قصيدته بقوله:

مغانى الشّعب طيبا فى المغانى ... بمنزلة الرّبيع من الزمان

ولكنّ الفتى العربىّ فيها ... غريب الوجه واليد واللسان

<<  <  ج: ص:  >  >>