ويتمنى أن يرى صاحبته ولو خيالا أو شبحا فى النوم حتى تملأ نفسه بهجة وغبطة. ولصرّدرّ أشعار نجدية أو فى نجد ومحبوباته بها بديعة، من مثل قوله فى مطلع قصيدته الهائية التى أشرنا إليها فى حديثنا عن شعراء المديح:
وقفنا صفوفا فى الديار كأنها ... صحائف ملقاة ونحن سطورها
يقول خليلى والظّباء سوانح ... أهذى التى تهوى؟ فقلت نظيرها
ويا عجبى منها يصدّ أنيسها ... ويدنو على ذعر إلينا نفورها
وو الله ما أدرى غداة نظرننا ... أتلك سهام أم كئوس تديرها
فإن كنّ من نبل فأين حفيفها ... وإن كنّ من خمر فأين سرورها
أراك الحمى قل لى بأىّ وسيلة ... وصلت إلى أن قبّلتك ثغورها
وتصوير صرّدر نفسه وصحبه وهم وقوف بأطلال الديار كأنهم سطور بديع، ولا نكاد نمضى معه حتى نشعر بروعة التصوير ودقة المشاعر. فصواحبه والظباء جنس واحد يدنو وحشيّه مذعورا ويصد أنيسه نفورا، ولا يدرى ما الذى أودعته ظباء الإنس-حين نظرن اليهم-قلوبهم وأفئدتهم، هل أودعتها نبلا قاتلا، أو كئوسا من خمر تلذ الشاربين.
ويظل فى حيرته ويتساءل إنها إن كانت نبلا فأين حفيفها ودويّها؟ وإن كانت كئوسا فأين سرورها ومتاعها. ويلتفت إلى شجر الأراك وبراهنّ يتخذن منه المسواك، فيسأله مذهولا كيف وصل إلى ثغورهنّ. وكلها حيرات تصور لوعات هذا العاشق المفتون، ومن بديع غزلياته قوله:
نسائل عن ثمامات بحزوى ... وبان الرّمل يعلم من عنينا
وقد كشف الغطاء فما نبالى ... أصرّحنا بذكرك أم كنينا
بنفسى راميات ليس تفنى ... نصول سهامهنّ إذا رمينا
وأمسينا كأنا ما افترقنا ... وأصبحنا كأنا ما التقينا
إنه يمشى على استحياء فى ديار صواحبه بحزوى يسأل عن نبات الثمام، وكل شيئ فى الديار حتى ما بها من أشجار البان تعلم حقيقة أمره وخبيئة سرّه، فقد كشف الغطاء وذاع السر المخبوء. وإنه ليفدى بروحه من رمته بسهامها، ويقول إن سهامها لا تفنى أبدا، فهى ما تنى ترسلها على المعجبين والمحبين. والبيت الأخير حكمة بديعة تصدق على كل شئ فى الدنيا وكل أمل ضائع أو سيضيع.