للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قطن بالشّيم أيمن صوبه ... وأيسره على السّتار فيذبل (١)

ألقى ببسيان مع الليل بركه ... فأنزل منه العصم من كل منزل (٢)

وقد استهل القطعة بوصف وميض البرق وتألقه فى سحاب متراكم، وشبّه هذا التألق واللمعان بحركة اليدين إذا أشير بهما أو كأنه مصابيح راهب يتوهج ضوؤها بما يمدها من زيت كثير. ويصف كيف جلس هو وأصحابه يتأملونه بين حامر وإكام، والسحاب يسحّ سحّا، حتى لتقتلع سيوله كل ما فى طريقها من أشجار العضاه العظيمة. وتلك نماء لم تترك بها نخلا ولا بيتا، إلا ما شيّد بالصخر، فقد اجتثت كل ما مرت به وأتت عليه من قواعده وأصوله. وهذا طمية جبل المجيمر التفت به السيول وما تحمل من غثاء، حتى لكأنه فلكة مغزل. وذاك أبان بما غطاه من هذا السيل والغثاء يشبه شيخا ملتفّا فى كساء مخطط. وقد ألقى بصحراء الغبيط ثقله فنشربه من النباتات والأزهار ما يشبه ضروب الثياب الزاهية الألوان التى ينشرها التاجر اليمانى حين يعرضها للشراء. وما زالت السيول تفيض حتى علت آجام السباع فغرقت فى لججها وتراءت رءوسها للعين كأنها جذور البصل البرى. وقد تراكم السحاب وملأ أقطار السماء حتى ليظن مبصره أن أيمنه على قطن جبل بنى أسد وأيسره على الستار ويذبل مما يلى بلاد البحرين، وعمّ المطر جبل بسيان حتى أنزل منه الأوعال التى كانت مستقرة به.

ولامرئ القيس مقطوعة فى الغيث والسيل تلتقى فى كثير من معانيها وصورها بهذه القطعة، وهى ذات الرقم ٢٧ فى ديوانه، وقد مر بنا أن أبا عمرو بن العلاء رواها عن ذى الرمة، وهى تمضى على هذا النحو:

ديمة هطلاء فيها وطف ... طبق الأرض تحرّى وتدرّ (٣)


(١) قطن: اسم جبل فى ديار بنى أسد، الشيم: النظر إلى البرق والمطر. الستار ويذبل: جبلان.
(٢) بسيان: جبل، والبرك: الصدر، العصم: الأوعال.
(٣) الديمة: المطر الدائم، هطلاء: كثيرة الهطل، والوطف: الدنو من الأرض. طبق الأرض: تطبقها وتعمها لكثرة مطرها. تحرى: تعمد إلى الأمكنة وتثبت فيها. وتدر: يكثر ماؤها وترسل درتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>