للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخرج الودّ إذا ما أشجذت ... وتواريه إذا ما تشتكر (١)

وترى الضّبّ خفيفا ماهرا ... ثانيا برثنه ما ينعفر (٢)

وترى الشّجراء فى ريّقه ... كرءوس قطّعت فيها الخمر (٣)

ساعة ثم انتحاها وابل ... ساقط الأكناف واه منهمر (٤)

راح تمريه الصّبا ثم انتحى ... فيه شؤبوب جنوب منفجر (٥)

ثجّ حتى ضاق عن آذيّه ... عرض خيم فجفاف فيسر (٦)

قد غدا يحملنى فى أنفه ... لا حق الإطلين محبوك ممرّ (٧)

وهو يصور فى هذه المقطوعة منظرا يماثل المنظر السابق، فالمطر ينهمر حتى يعم الأرض من حوله، وهو يدرّ لها ويدنو منها بأهدابه، وحينا يقلع فتبدو الأوتاد من الأرض ولا يلبث أن يعود وتكثر سيوله فتتوارى عن الأنظار. وتترع القيعان فيخرج الضبّ من جحره يعدو عدوا سريعا لما يرى من كثرة المطر. وما تزال السيول تتدفق حتى تغمر الأشجار بل حتى لا يبدو منها إلا أعاليها، فتتراءى كأنها رءوس معممة قطعت فى ساحة حرب عنيفة. وظل المطر على هذا الانصباب الشديد فترة لم تنكشف بعدها السماء، فقد ألقت السحب بوبلها وأثقالها تستدرّها ريح الصبا الشمالية. ولم تلبث ريح الجنوب أن هبّت فانهمرت الأمطار وعلت السيول حتى ضاقت بها خيم


(١) الود: الوتد، أشجذت: أقلعت وسكنت. تشتكر: تحتفل ويكثر مطرها. وقيل الود اسم جبل.
(٢) خفيفا ماهرا: يريد مسرعا فى عدوه. وبرثن الضب: كالإصبع للإنسان. وما ينعفر: لا يصيبه العفر والتراب، يقصد أنه لا يلصق بالتراب لخفة عدوه.
(٣) الشجراء: الأرض ذات الشجر الكثير، ريق المطر: أوله، يريد أن المطر يغمر الأشجار فلا يبدو منها إلا أعاليها، فتتراءى كأنها رءوس قطعت وفيها الخمر وفيها العمائم.
(٤) انتحاها: قصدها. وابل: مطر غزير، ساقط الأكناف: دان من نواحى الأرض. واه: متخرق، منهمر: منسكب.
(٥) راح: عاد بالمطر فى آخر النهار. تمريه: تحركه وتديره. الشؤبوب: دفعة المطر، والجنوب: ريح. منفجر: سائل.
(٦) ثج: سال. الآذى: الموج. وخيم وجفاف ويسر: مواضع.
(٧) يحملنى فى أنفه: يريد فى أنف المطر أى أوله. لاحق الإطلين: فرس ضامر الكشحين، محبوك: موثق الخلق ومثله ممر، وأصله من الحبل الممر، وهو المحكم الفتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>