للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما تجمّع عليه من البلاء، وهى ذات الرقم الحادى عشر فى ديوانه، وفيها يقول:

أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب (١)

عصافير وذبّان ودود ... وأجر أمن مجلّحة الذّئاب (٢)

وكلّ مكارم الأخلاق صارت ... إليه همّتى وبه اكتسابى

فبعض اللوم عاذلتى فإنى ... ستكفينى التجارب وانتسابى

إلى عرق الثّرى وشجت عروقى ... وهذا الموت يسلبنى شبابى (٣)

ونفسى سوف يسلبها وجرمى ... فيلحقنى وشيكا بالتّراب

ألم أنض المطىّ بكل خرق ... أمقّ الطول لمّاع السّراب (٤)

وأركب فى اللهام المجر حتى ... أنال مآكل القحم الرّغاب (٥)

وقد طوّفت فى الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب

أبعد الحارث الملك بن عمرو ... وبعد الخير حجر ذى القباب (٦)

أرجّى من صروف الدّهر لينا ... ولم تغفل عن الصّمّ الهضاب (٧)

وأعلم أننى عمّا قليل ... سأنشب فى شبا ظفر وناب (٨)

كما لاقى أبى حجر وجدّى ... ولا أنسى قتيلا بالكلاب (٩)

فقد ضاع منه الماضى بكل أحلامه، وهو ينظر أمامه فى الأفق البعيد بل القريب، فلا يرى إلا وادى العدم الذى يشدّ إليه الناس جميعا رحالهم، وهم


(١) موضعين: مسرعين. لأمر غيب: يريد الموت المغيب. ونسحر بالطعام: نتلهى ونخدع.
(٢) مجلحة الذئاب: المعصمة التى لا ترجع عما تريد.
(٣) وشجت: اشتبكت واتصلت. ويشير بعرق الثرى إلى آبائه الذين ماتوا.
(٤) أنض: أهزل بطول الرحلة. الخرق: الفلاة. أمق الطول: واسع الطول.
(٥) اللهام: الجيش الكثيف. المجر: الكثير. المآكل هنا: الغنائم، القحم: جمع قحمة من الاقتحام ويريد التزاحم فى شدة. الرغاب: الواسعة.
(٦) القباب: الخيام الكبيرة.
(٧) الصم المصمتة: الجبال. الهضاب: الصلبة.
(٨) شبا كل شئ: حدّه. أنشب: أعلق.
(٩) قتيل موقعة الكلاب هو عمه شرحبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>