أو ما قيمته درهم. وبمجرد أن عاد أبو حيان إلى بغداد انتقم منه ومن أبى الفضل بن العميد شر انتقام بتأليفه فيهما كتابه «مثالب الوزيرين» الذى نشره بدمشق الدكتور إبراهيم الكيلانى، وهى صحف هجاء لاذعة أشد اللذع للوزيرين الكاتبين المشهورين، إذ تحامل عليهما تحاملا مسرفا وتجنى عليهما تجنيا قبيحا، محاولا بكل ما استطاع أن يسلبهما ما اشتهرا به فى الناس من الفضائل. ونصيب الصاحب فى هذا الهجاء المقذع أكثر من نصيب أبى الفضل بن العميد، لأن جرح أبى حيان منه كان أبعد غورا وأشدّ إيلاما.
ويعود أبو حيان جريحا كسيرا إلى بغداد وإلى حرفته فى الوراقة، ويشفق عليه ابن مسكويه وصديقه أبو الوفاء المهندس، لما تجرّع من حرمان مرير، ومدّ إليه يد العون أبو الوفاء. أما ابن مسكويه فإنه ارتضى منه أن يؤلف معه كتابه «الهوامل والشوامل» والهوامل أسئلة لأبى حيان فى الفلسفة والطبيعة والسلوك واللغة، والشوامل إجابات بديعة لابن مسكويه، وقد نشره أحمد أمين والسيد صقر فى القاهرة ومعروف أن ابن مسكويه كان يلازم عضد الدولة، فلابد أن يكون قد نزل معه بغداد حين استولى عليها من ابن عمه بختيار سنة ٣٦٧ وكان أبو حيان غائبا فى الرّىّ، حتى إذا عاد وجد ابن مسكويه وكان قد تعرف به قديما حين نزل الرىّ زمن أبى الفضل بن العميد. والمظنون أن حوار الهوامل والشوامل لم ينعقد بينهما حينئذ، وإنما انعقد فى بغداد بعد مجئ أبى حيان من لدن الصاحب كاسف البال مقروح الكبد، يؤكد ذلك أننا نجد ابن مسكويه يحاول أن يفرّج عنه الغم الذى ملأ قلبه وما انطوى عليه من الإحساس بالبؤس واليأس المرير من الزمان والإخوان، إذ لاحظ مسارب ذلك فى حنايا نفسه وجوانب أسئلته، فقال له فى مطلع أجوبته:«انظر حفظك الله إلى كثرة الباكين حولك وتأسّ، أو إلى الصابرين معك وتسلّ، فلعمر أبيك إنما تشكو إلى شاك وتبكى على باك، ففى كل حلق شجى وفى كل عين قذى». فالناس كلهم شاكون باكون مثل أبى حيان، وكلهم يعترض فى حلقه ما يكاد يغصّ به، وحسبه أن يكون له فى الناس قدوة وأسوة. وكأن ابن مسكويه أراد بالكتاب أن يكون فيه سلوان لأبى حيان، ينسيه همومه ولو إلى حين. ومع تقديمه هذه الهدية الفكرية لأبى حيان نجده يهاجمه فى الليلة الثانية من كتابه الإمتاع، ويبدو أن سبب تهجمه عليه ما نعته به أبو حيان من أنه كان شحيحا شحّا شديدا، وكأن أبا حيان لم يجد عنده ما كان يأمله من العون على ما كان يتجرّعه من الصاب والعلقم.
أما أبو الوفاء المهندس فكان نعم الصديق لأبى حيان، وكان قد تعرف عليه قديما ووعده بالسعى فى صلاح حاله، وحين لقيه بعد عودته من لدن الصاحب أرعاه بصره كما يقول أبو