حيان وأعاره سمعه، وبدأ فتوسط له عند القائمين على بيمارستان بغداد، فعيّنوه راعيا لبعض شئونه. وأهم من ذلك أنه قرّبه من ابن سعدان أحد كبار رجال الدولة البويهية، فكلّفه بنسخ كتاب الحيوان للجاحظ، وأخبره زيد بن رفاعة فى سنة ٣٧١ أن أبا حيان يفكر فى صنع رسالة عن الصداقة والصديق، فشجع ابن سعدان أبا حيان على إنجازها غير أنه لم ينجزها توا، بل ظل يراجعها ويزيد فيها حتى نشرها سنة أربعمائة، وهى أقوال وأشعار مجموعة على طريقته فى كتابه البصائر والذخائر، ولا يكاد يكون له فيها سوى المقدمة وحديث عن ندماء ابن سعدان وحسن اختياره للمادة التى كوّن منها الموضوع، والرسالة طبعت بإستانبول والقاهرة. ويبتسم الزمن فترة لابن سعدان من سنة ٣٧٢ حتى سنة ٣٧٥ إذ يصبح وزيرا لصمصام الدولة البويهى ويتخذ له مجلسا علميا فلسفيا أدبيا للحوار ليلا فى كل ما يتصل بالإلهيات والطبيعيات والأخلاق وعلم الكلام واللغة والشعر وقد ذكر أبو حيان العلماء والمتفلسفة الذين كانوا يتحاورون فى هذا المجلس بكتابه «الإمتاع والمؤانسة» وقد نشره أحمد أمين وأحمد الزين فى ثلاث مجلدات بالقاهرة.
وجعل ابن سعدان أبا حيان واسطة عقد هذا المجلس، فأزال من نفسه غشاوات الكآبة التى كانت قد تراكمت فيها طوال سنوات وقوفه بأبواب الوزراء: أبى الفضل بن العميد وابنه أبى الفتح والصاحب بن عباد، وسأله صديقه أبو الوفاء أن يسجل فى كتاب أطرف المسائل التى تناولها حواره مع ابن سعدان، فألف له كتاب الإمتاع مقتصرا فيه على مادار فى سبع وثلاثين ليلة، وعادة يعرض الوزير سؤالا ويأخذ أبو حيان فى الإجابة، وقد يطلب إليه فى موضوع أن يكتب فيه رسالة حتى يوفيه حقه، وقد ينقل إليه مناظرة طويلة دارت فى سوق الوراقين أو دارت فى عهد وزير آخر مثل مناظرة السيرافى ومتى بن يونس فى النحو والمنطق بمجلس الوزير ابن الفرات سنة ست وعشرين وثلثمائة، وقد رواها أبو حيان كاملة فى الليلة الثامنة. وعرض الحوار جوانب من حياة البغداديين كجانب الغناء واللهو. وليس فى الكتاب ما يدل على أنه ألّف بعد فتك صمصام الدولة البويهى بابن سعدان سنة ٣٧٥ ويغلب أن يكون أبو حيان ابتدأ تأليفه فى حياة الوزير، وأتمه بعد وفاته، ذكرى عزيزة له ولمجلسه العلمى الفلسفى الرائع الذى لم يبلغ مبلغه مجلس أى وزير أو حاكم بويهى فى زمنه.
وعلى نحو ما سجل أبو حيان حواره مع ابن سعدان فى الإمتاع والمؤانسة سجّل فى كتاب المقابسات أطرف ما دار من حوار فى ندوة أبى سليمان المنطقى السجستانى، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع حديث طويل عن المقابسات وعن أبى سليمان، ونرى أبا حيان يصرّح