للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفلسفة الأفلاطونية إليهم وما يتصل بها من نظريتها المعروفة فى الفيض، وهى النظرية التى بنى عليها إخوان الصفا البصريون فلسفتهم الدينية فى موسوعتهم المشهورة. ومن تتمة نظريتهم أن العقل الكلى الذى يتجلى فى أئمتهم تجلى منذ آدم فى الأنبياء، وهو الذى يسيّر الكون ويدبره، وهو ما جعل الحاكم الخليفة الفاطمى الإسماعيلى يعتقد أن التجسد الإلهى تمثّل فيه وأنه خليق بعبادته. ومات مقتولا، فادّعى بعض الإسماعيلية حين ذاك أنه يعيش متخفيا، وأنه سيرجع. وكأن نظرية الرجعة عند الإمامية الاثنى عشرية وجدت طريقها إلى الفرقة الإسماعيلية فى شخص الحاكم. وكان القرامطة إحدى شعب الإسماعيلية ظنوا من قبل أن محمد بن الإمام السابع إسماعيل سيرجع بعد موته، وأنه الإمام الغائب المنتظر. وواضح أن الإسماعيلية غلت فى تشيعها غلوّا بعيدا إذ رفعت الأئمة إلى مراتب الآلهة، حتى لنجد كثيرين من علماء الإسلام ومفكريه يسمونهم دهرية زنادقة، وقد حمل عليهم الغزالى حملات عنيفة فى كتابه «فضائح الباطنية» الذى سجل عليهم فيه ضلالهم وخروجهم عن جادّة الإسلام، ولابد أن نشير إلى أن تابعى هذه الفرقة كانوا يصعدون فى سبع مراتب: مرتبة للعامة، ثم تعلوها مراتب حتى المرتبة السابعة، وصاحبها خليق عندهم بأن يكون من الدعاة. ومن حق الإسماعيلى والإمامى جميعا أن يخفيا عقيدتهما فى البلد الذى يسود فيه خصومهما وهو المذهب المعروف عندهما باسم التقية، وقد طبع دعوتهما فى حقب وأماكن كثيرة بطابع السرية.

وهذه الفرق الشيعية المختلفة كانت على صلة وطيدة منذ أول الأمر بالاعتزال والمعتزلة، فقد كان زيد بن على مؤسس فرقة الزيدية تلميذا لواصل بن عطاء مؤسس مذهب الاعتزال. وتعانق منذ العصر العباسى الأول مذهب الإمامية مع الاعتزال فى أثناء الجدال الذى كان دائرا بين أعلامهما حتى لنجد النظّام المعتزلى المشهور يؤمن بنظرية الإمامية الخاصة بعصمة الإمام، وكان يعاصره ثمامة بن أشرس الذى لعب دورا كبيرا لعهد المأمون فى حمله على أن يكتب إلى الآفاق بتفضيل على بن أبى طالب على أبى بكر وعمر وجميع الصحابة. ومن يرجع إلى مصنفات الشيعة فى عقيدتهم يجدهم يفردون فصولا طوالا للحديث عن التوحيد والعدالة، على غرار ما يصنع المعتزلة. وفى رأينا أن هذه الصلة الوثيقة بين الاعتزال والشيعة هى التى جعلت أهل السنة فى العصر ينفرون منه، ويعتنقون المذهب الأشعرى.

وكانت إيران فى هذا العصر تعدّ أكبر مركز للتشيع، وقد مرّت بنا فى كتاب العصر العباسى الثانى حركة زيدية قوية غلبت على طبرستان وبلاد الديلم، وعلى الرغم من إجهاز

<<  <  ج: ص:  >  >>