الدولة السامانية عليها كما مر بنا فى أوائل هذا الفصل ظلت لها هناك بقية، وظل هناك أئمة يقودونها مثل الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهارونى المتوفى سنة ٤١١ للهجرة. وكان تقلّد البويهيين الإماميين لإماراتهم المختلفة فى إيران إيذانا بأن يأخذ المذهب الإمامى طريقة إلى الانتشار، واشتهرت مدينة «قم» باعتناقة وقد ظل منتشرا بها واعتنقه كثيرون فى الحقب التالية، وقيّض له كثير من العلماء يعملون على نشره مثل ابن بابويه القمى المتوفى سنة ٣٨١ وقد كان أبوه شيخ الشيعة فى مدينة «قم» وخلفه فى مشيخته، وألّف كتبا كثيرة فى المذهب، محتجاله، داعيا إليه، ومن كتبه المطبوعة فى طهران كتب العلل والأحكام وكتاب عقائد الشيعة الإمامية.
وقد نشطت الفرقة الإسماعيلية فى إيران منذ أوائل هذا العصر، ويقال إنهم استطاعوا أن يدخلوا فى عقيدتهم نصر بن أحمد السامانى أمير خراسان (٣٠١ - ٣٣٢ هـ.) مما جعل حرسه يضطره إلى التنازل عن السلطان لابنه نوح، ويقال أيضا إن أبا على بن سيمجور أحد رجالات الدولة فى خراسان لأواخر أيامها كان إسماعيليا، مما جعل السلطان محمودا الغزنوى يفتك به. ويبدو أن الإسماعيليين جدّوا حينئذ فى نشر دعوتهم بإيران، حتى لنجد محمودا الغزنوى حين يستولى على الرىّ من البويهيين سنة ٤٢٠ يكتب إلى الخليفة العباسى ببغداد خطابا طويلا، يقول فيه (١):
«قد أزال الله عن هذه البقعة أيدى الظلمة، وطهّرها من دعوة الباطنية الكفرة، والمبتدعة الفجرة. وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال فيما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار. . وطلعت الرايات بسواد الرّىّ. . وخرج الديالمة معترفين بذنوبهم، شاهدين بالكفر والرفض على نفوسهم، فرجعنا إلى الفقهاء فى تعرّف أحوالهم، فاتفقوا على أنهم خارجون عن الطاعة وداخلون فى أهل الفساد، فيجب عليهم القتل والقطع والنفى على مراتب جناياتهم. واعتقادهم فى مذاهبهم لا يعدو ثلاثة أوجة تسودّ بها الوجوه يوم القيامة: التشيع والرفض والباطن. وذكر هؤلاء الفقهاء أن أكثر القوم لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يعرفون شرائط الإسلام، ولا يميزون بين الحلال والحرام، بل يجاهرون بالقذف وشتم الصحابة، ويعتقدون ذلك ديانة. . . ويعيدون جميع الملل مخاريق الحكماء، ويعتقدون مذهب الإباحة فى الأموال والفروج والدماء».
والخطاب طويل، وهو يصور مدى ما داخل العقيدة الإسماعيلية فى إيران من فساد،