حتى كان أصحابها لا يؤدّون شعائر الإسلام، بل كانوا ينكرونه هو وجميع الديانات السماوية جملة. وليس ذلك فحسب، فقد اختلطت بعقيدتهم العقيدة المزدكية الفارسية القديمة التى أحلّ صاحبها «مزدك» النساء وأباح الأموال وجعلها شركة للناس، ودعا إلى العكوف على اللذات والشهوات (١). ونمضى بعد عهد محمود الغزنوى، فنجد الدعوة الإسماعيلية تنشط فى إيران طوال القرنين الخامس والسادس للهجرة، إذ تعهدها هناك دعاة مختلفون، كان يؤيدهم تأييدا قويا الخليفة الفاطمى المستنصر (٤٢٧ - ٤٨٧ هـ) وقد ظل الرئيس الأعلى للإسماعيليين طوال ستين عاما، واستطاع أن يبسط سلطانه على واسط وبغداد حاضرة الخلافة العباسية فى منتصف القرن الخامس. وقد حاربت الدولة السلجوقية العقيدة الإسماعيلية دون هوادة، ولكن دعاتها ظلوا منبثّين فى أنحاء إيران، مثل ناصر خسرو الأديب الرحالة، الذى لقبه أتباعه بلقب «حجة خراسان» وقد زار القاهرة سنة ٤٣٧ وأقام بها سبع سنوات، وعاد إلى وطنه خراسان، وأخذ يدعو للفاطميين الإسماعيليين بمصر، غير أن خصومه اضطروه إلى الفرار إلى مرتفعات «سمنجان». وكان أخطر منه فى الدعوة للإسماعيليين الفاطميين أحمد بن عبد الملك بن العطاش الذى نهض بالدعوة فى أذربيجان وأصفهان، وقد استولى بجانب المدينة الأخيرة على حصن منيع يسمى «شاه دز» جعله وكرا لأتباعه ودعوته. وكان أشد منه خطرا الحسن بن الصبّاح، وكان عالما بالهندسة والحساب والنجوم والسحر، وتلقن الدعوة عن بعض دعاتها الفاطميين والإيرانيين الذين صحبهم فى مدينة الرىّ، ويقال إنه لقى بها فى رمضان سنة ٤٦٤ ابن العطاش وإنه نصحه بالمسير إلى القاهرة حاضرة الخلفاء الفاطميين ليتلقن الدعوة من أربابها وشيوخها المقدّمين. ووصل القاهرة سنة ٤٧١ وأسبغ المستنصر عليه جوائزه. ويقال إنه سأله من الخليفة بعده؟ فأجابه ابنى نزار الأكبر، ورجع إلى إيران سنة ٤٧٣ يدعو إلى نزار، وولّى المصريون بعد المستنصر ابنه المستعلى، مما كان سببا فى انقسام الإسماعيلية إلى شعبتين: شعبة غريبة تدعو إلى المستعلى وتشمل مصر والشام وشعبة شرقية تشمل إيران وتدعو إلى نزار.
واتسعت دعوة الحسن بن الصبّاح، حتى ضمت بين جناحيها كرمان وطبرستان والدّامغان وقزوين، واستطاع الاستيلاء على حصن فى غاية المناعة، هو قلعة «ألموت» سنة ٤٨٣ ومعنى اسمها بلسان الديلم تعليم العقاب، كأنها، لعلوها الشاهق، وكر له.
وجعله استيلاؤه على هذه القلعة يضع لأتباعه خطة محكمة أن يستولوا على مثيلها فى إيران،