للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها قلانس طويلة، ويقول المقدسى إنهم لا يخلون من أربع خصال: التقى والعصبية والذل والكدية أى التسول (١). ومثلهم الملامتية، وكان مبدؤهم الأساسى الملامة، فالصوفى الكامل فى رأيهم من يرتكب أشياء يلومه عليها الناس، ومن أجل ذلك كانوا يقومون بأعمال ينكرها الشرع، وقد ينتهكون فيها حرمته، حتى يتم لهم مبدؤهم، وأعدوا مثل الكرامية لظهور فكرة الدراويش الرحّل الذين يعيشون على التسول، ويتخذونه ذريعة للبطالة، وكأنما أصبح الصوفى هو المتسول، ولا بأس من أن يسقط عنه الفروض الدينية أحيانا.

ولم يكن التسول يغضب أهل السنة بمقدار ما كان يغضبهم إنكار فرائض الإسلام وسننه، مما جعلهم يحملون على المتصوفة حملات شعواء، متهمين لهم بالزندقة والكفر، وزاد هذه الحملات اشتعالا ما وجدوه يتردد على ألسنة المتصوفة وفى كتبهم من كلام عن السكر والفناء واتحاد الصوفى بالذات الإلهية، ومن الحق أنه كان هناك كثيرون من الصوفية لا يلوكون كلمات الاتحاد بالله، ويرون أن الصوفى لا يبلغ مرتبة الكمال إلا إذا أدى الفرائض والسنن، مخلصا صادقا. غير أن هؤلاء لم يكونوا موضع الخصومة مع أهل السنة إنما كان موضعها دراويش الملامتية والكرامية وأمثال أبى سعيد بن أبى الخير، ممن أسقطوا فرائض الإسلام وشعائره.

وأخذ هذا الصدع بين الصوفية وأهل السنة يتفاقم، وكان لابد أن يرأب، حتى لا تنشق الأمة على نفسها انشقاقا قد يؤول إلى عواقب وخيمة، فقيّض الله لها صوفيين عظاما، تداركوا هذه الطامة الكبرى كان أولهم أبو نصر السرّاج (٢) عبد الله بن على الطوسى الزاهد صاحب كتاب اللّمع المتوفى سنة ٣٧٨ وفيه قال أبو عبد الرحمن السّلمىّ تلميذه فى كتابه «طبقات الصوفية»: «كان المنظور إليه فى ناحيته فى الفتوة ولسان القوم مع الاستظهار بعلوم الشريعة». فتصوفه لم يكن تصوفا فلسفيا يتغلغل فى الحلول وما إليه، بل كان تصوفا سنيا يرتبط بأداء الفرائض الدينية. وكان رحالة تجوّل فى العالم الإسلامى من نيسابور إلى القاهرة، ووفد على بغداد فأفردت له غرفة خاصة فى جامع الشونيزية وأعطى رياسة الدراويش. ولا نغلو إذا ذهبنا إلى أنه يعدّ مؤسس مدرسة التصوف السنى فى عصره، وهو تصوف يستمد من الكتاب والسنة، وليس فيه حلول ولا شطحات.


(١) احسن التقاسيم ص ٤١.
(٢) انظر فى أبى نصر السراج الطوسى طبقات الصوفية للسلمى وكشف المحجوب للهجويرى وشذرات الذهب ٣/ ٩١ وكتابه اللمع (نشره نيكلسون فى سلسلة جب التذكارية).

<<  <  ج: ص:  >  >>