نيسابور وأخذ عنهم كل ما عندهم، وسرعان ما أصبح شيخا يشار إليه بالبنان، وأكبّ الطلاب على دروسه. وأخذت شهرته تطبّق الآفاق. وقدم على نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقى، فعيّنه أستاذا للفقه الشافعى فى مدرسته النظامية ببغداد سنة ٤٨٤ ولم يلبث أن اعترته أزمة نفسية سنة ٤٨٨ فبارح بغداد إلى أداء فريضة الحج، وولّى وجهه نحو الصوامع النائية فى مساجد بيت المقدس ودمشق معتزلا للناس مستغرقا فى تأمل الفرق الإسلامية، واستقر فى نفسه أنه ينبغى تخليص الأمة من الدقائق التى يخوض فيها المتكلمون ومن خلافات الفقهاء وما يتجادلون فيه من فروع دون طائل، وأخذ يحمل على الفقهاء والمتكلمين جميعا حملات عنيفة، مبينا أن ما هم فيه من جدال ليس من الدين فى شئ، وأن من شأنه أن يزعزع العقيدة العامة ويحدث بلبلة فى العقول. وبالمثل حمل على الفلسفة وأعلن عليها حربا شعواء فى كتابه «تهافت الفلاسفة» وخاصة على فلسفة ابن سينا المشائية، ووجّه حملاته بقوة إلى الإسماعيلية فى كتابه «فضائح الباطنية». وهدته تأملاته فى عزلته إلى أنه لابد من الوصل بين التصوف والسنة كى ينمو الشعور الدينى ويصبح تجربة نفسية قلبية بحيث يتعانق عمل القلب وعمل الجوارح فى أداء الشعائر والفروض والنوافل حتى ينهض بها المسلم مصحوبة بالإخلاص وبصدق الشعور الباطنى، وحتى تكون محبة الله الدافع الأساسى لكل ما يصدر عنه من قول وفعل. وألّف على هذا الهدى كتابه «إحياء علوم الدين» محللا فيه الحياة الدينية والأخلاقية للمسلم على مبادئ تستمد من التصوف وروحه، ونقصد التصوف السنى الذى أقام هو والقشيرىّ والسرّاج بنيانه، والذى يرفض أفكار الصوفية الغالية مثل الاتحاد بالله والحلول. وقد جعل القلب أساس السعى إلى الله حتى يقرب منه المسلم وينال محبته ومبتغاه، وحقا لابد أن تؤدّى الفرائض والسنن، ولكن لابد معها من عمق الإخلاص وعمق الشعور الدينى وصدقه، إذ هو جوهر الحياة الدينية. وبذلك وصل الغزالى وصلا وثيقا بين أهل السنة والمتصوفة دون لجاج فى اتحاد المتصوف بالذات الإلهية ودون تعثر فى شباك الحلول، ومع الإيمان بأن أحكام الشريعة أساس الحياة الدينية الصادقة المفعمة بالإخلاص. ومن أهم ما نفذ إليه الغزالى فى
= صادر) ٤/ ٢١٦ وطبقات الشافعية للسبكى (٦/ ١٩١) ومقدمة بويج لنشرته لكتابه التهافت طبع بيروت ومؤلفات الغزالى لعبد الرحمن بدوى ومحاضرات مهرجانه فى دمشق سنة ١٩٦١ وتاريخ الفلسفة فى الإسلام لدى بورض ١٩٦ وبراون ص ٣٦٨ والعقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر القسم الرابع وفى التصوف الإسلامى لنيكلسون ترجمة عفيفى ص ١٣٩ وسيرة الغزالى لعبد الكريم العثمان (طبع دمشق) والحقيقة فى نظر الغزالى لسليمان دنيا (طبع دار المعارف بمصر).