يروى-رغبته فى الذهاب إليه، ويقال: بل ظل مع مأمون خوارزم حتى استولى محمود الغزنوى على دياره فصحبه فيمن أخذهم معه من علماء خوارزم لسنة ٤٠٨ للهجرة. وكان البيرونى شيعيا ومحمود سنيا يضطهد الشيعة، فتحول البيرونى إلى مذهبه، وربما تحول إلى هذا المذهب قبل صحبته لمحمود. وكان محمود ماينى يغزو الهند على نحو ما مر بنا فى الفصل السابق، فكان يسير معه، ويظهر أنه أقام بها سنوات متصلة مكنته من دراستها دراسة علمية خصبة، تعلم فى أثنائها اللغة السنسكريتية وقرأ ما كتبه فيها علماؤها، ودرس فى عمق فلسفاتها ورياضياتها وعقائدها وتقاليدها وجملة معارفها فى التنجيم والتاريخ والفلك، وكل ذلك أودعه كتابه الرائع:«تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة» وقد أتمه سنة ٤٢٣ بعد وفاة محمود الغزنوى بعامين. وفى الكتاب قطع بنصها لمؤلفين هنود، وفيه وصف جغرافى مفصل للهند وآرائهم الدينية والفلسفية ومعارفهم وتاريخهم وتقاليدهم وعاداتهم وأعيادهم وأنظارهم فى الفلك والتنجيم.
ويقارن مقارنات خصبة بين علومهم وعلوم العرب واليونان والفرس. ويعترف بتفوق المعرفة اليونانية لما تمتاز به من كمال المنهج ومن الدقة والعمق. ويقارن بين أديان الهند وأديان الكتب السماوية مقارنات دالة على تأمل دقيق فى الديانات وفلسفاتها، ويوسع تأمله ليشمل المانوية وغيرها من ديانات الفرس. وفى كل ذلك ينثر آراءه الأصيلة التى تدل على عقل متفلسف دقيق منتهى الدقة. ونراه يبين فى قوة وجوه التوافق بين الفلسفة الفيثاغورية الأفلاطونية والحكمة الهندية.
ومن مصنفات البيرونى كتابه القانون المسعودى فى الهيئة والتنجيم ألفه سنة ٤٢١ للسلطان مسعود بن محمود الغزنوى عقب وفاة أبيه وهو دائرة معارف فى الفلك والهندسة والتنجيم، وقد وصفه ياقوت بأنه يعفّى أثر كل كتاب، صنّف فى تنجيم أو حساب، ويقول البيهقى إنه غرة فى وجوه تصانيفه. وفى مقدمته يشيد بالسلطان مسعود الذى قدم إليه الكتاب وقد نشر فى حيدر آباد سنة ١٩٥٣. وللبيرونى كتب أخرى، منها كتاب فى المعادن سماه الجماهر فى معرفة الجواهر، أهداه إلى السلطان مودود الغزنوى، ومنها كتب فى الطب وكتاب فى الصيدلة نشره ماكس مايرهوف فى برلين وكتب أخرى فى الطبيعيات. وفى الحق أنه شخصية فريدة فى تاريخ إيران العربية.
ويلحق بهذين الفيلسوفين العظيمين الشهر (١) ستانى أبو الفتح محمد بن أبى القاسم
(١) انظر فى الشهرستانى وترجمته ابن خلكان ٤/ ٢٧٣ وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٣١٣ والسبكى ٦/ ١٢٨ والوافى بالوفيات ٣/ ٢٧٨ وشذرات الذهب ٤/ ١٤٩ ومرآة الجنان ٣/ ٢٨٩ ولسان الميزان ٥/ ٢٦٣ وعبر الذهبى =