للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأنه بوق تح‍ ... رّكه لتنفخ فيه جدّا

أذناه مروحتان أس‍ ... ندتا إلى الفودين عقدا

ونفق برذون (بغل) أبى عيسى بن المنجم، بعد أن طالت صحبته له، فأوعز الصاحب إلى من حوله من الشعراء الندماء أن يعزّوا أبا عيسى فيه ويبكوه له، ونظم منهم عشرة قصائد فكاهية سميّت بالبرذونيات منها برذونية أبى القاسم ابن أبى العلاء وفيها يقول (١):

لقد أنصفته الخيل ما ذقن بعده ... شعيرا ولا تبنا ومتن غليلا

وفى كل إصطبل أنين وزفرة ... تردّد فيه بكرة وأصيلا

ولو وفّت الجرد الجياد حقوقه ... لما رجّعت حتى الممات صهيلا

وفى هذا كله ما يصور من بعض الوجوه حياة الشعر العربى فى أصبهان والرّى لعهد بنى بويه، وبالمثل كان الزّياريون وفى مقدمتهم قابوس بن وشمكير يشجعون الشعراء ويجزلون لهم فى العطاء، ويذكر الباخرزى فى دميته أبا بكر الخسروىّ الذى كان ينظم باللسانين العربى والفارسى، ويقول: «كانت له وظائف كل سنة من الأمير شمس المعالى قابوس بن وشمكير والصاحب أبى القاسم بن عباد تدرّ عليه، وتتسابق إليه (٢)». وكانت لكثيرين غيره هذه الوظائف أو الرواتب من الدولتين، وكذلك من الدولة السامانية، وفى عاصمتها بخارى يقول الثعالبى: «كانت بخارى فى الدولة السامانية مثابة المجد وكعبة الملك ومجمع أفراد الزمان ومطلع نجوم أدباء الأرض وموسم فضلاء الدهر (٣)» ويذكر مجلسا من مجالسها ضمّ أبا الحسن اللّحّام وأبا محمد بن مطران وأبا جعفر بن العباس بن الحسن وأبا محمد بن أبى الثياب وأبا النصر الهرثمى وأبا نصر الطريفى ورجاء بن الوليد الأصبهانى وعلى بن هرون الشيبانى وأبا إسحق الفارسى وأبا القاسم الدينورى وأبا على الزّوزنى إلى غيرهم ممن ينتظم فى سلكهم من الشعراء. وليست الحواضر وحدها هى التى اختصت بالنشاط الشعرى، فكثير من المدن شاركها هذا النشاط مثل بلاد الجبل وجرجان وطبرستان وخوارزم وفارس والأهواز ونيسابور وهراة. وقد بلغ عدد الشعراء الذين ترجم لهم الثعالبى فى يتيمته من الإيرانيين خاصة أكثر من مائة وثمانين شاعرا، وزادوا عن المائتين فى الدمية إلى من ترجم لهم العماد الأصفهانى فى الخريدة وترجمات ضافية،


(١) اليتيمة ٣/ ٢١٨.
(٢) دمية القصر (طبعة دار الفكر العربى) ٢/ ٢٥٩.
(٣) اليتيمة ٤/ ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>