وكان بجانب أمراء الدويلات الإيرانية كثير من حماة الأدب والشعر فى كل بلدة كبيرة، منهم آل ميكال فى نيسابور، وفيهم يقول الثعالبى: «القول فى آل ميكال وقدم بيتهم وشرف أصلهم وتقدم أقرامهم (سادتهم) وكرم أسلافهم وأطرافهم وجمعهم بين أول المجد وآخره وقديم الفضل وحديثه وتليد الأدب وطريفه يستغرق الكتب ويملأ الأدراج ويحفى الأقلام، وما ظنك بقوم مدحهم البحترى وخدمهم ابن دريد وألّف لهم معجم الجمهرة وسيّر فيهم المقصورة التى لا يبليها الجديدان، وانخرط فى سلكهم أبو بكر الخوارزمى وغيره من أعيان الفضل وأفراد الدهر (١)». ويدل أكبر الدلالة على ما كان ببلدان إيران من نشاط أدبى وشعرى أن نجد هذه البلدان لا تكتظ بأدبائها وشعرائها وحدهم، بل يفد عليها كثيرون غيرهم من بلاد قريبة وبعيدة فى العراق وغير العراق، على نحو ما يلقانا فى نيسابور، فقد ترجم الثعالبى لطائفة من الشعراء الطارئين عليها من بلدان شتى، وبلغ عددهم ستة عشر شاعرا اختاروها مقاما لهم.
ونيسابور من بلدان الدولة السامانية، وهى صالحة لأن تكتب فى شعرائها دراسة قيمة عن نشاط الشعر بها لا فى عهد السامانيين وحدهم بل أيضا فى الحقب التالية، وبالمثل بلدان إيران الكبيرة المختلفة مثل أصبهان والرىّ والجرجانية عاصمة الزياريين وخوارزم وهراة عاصمة خلف بن أحمد ممدوح بديع الزمان الهمذانى وغزنة عاصمة الغزنويين، فكل هذه البلدان وما يماثلها، وحتى بلاد الشاش فيما وراء النهر يمكن أن تفرد لها دراسة تضم شعراءها فى اليتيمة والدمية وغيرهما من كتب التراجم مثل طبقات الشافعية للسبكى ومعجم الأدباء لياقوت ووفيات الأعيان لابن خلكان.
ومن يرجع إلى هذه الكتب يخيّل إليه أن الشعر بإيران إلى ما وراء النهر كان على كل لسان، وكان الأمراء ورعاته فى كل بلدة يقيمون له مواسم كالأعياد، وكان الوزراء والأمراء لا يزالون يهبون الشعراء آلاف الدراهم والدنانير، وكانوا يعيّنون لهم مرتبات، كما مر بنا ويغدقون عليهم إغداقا كثيرا، حتى ليقال إنه حصل للأبيوردىّ الشاعر السلجوقى من الملوك والأمراء ما لم يحصل للمتنبى فى عصره ولابن هانئ فى مصره. فلا عجب أن يتكاثر الشعراء، فقد كان الشعر وسيلة لحياة رغدة، ولذلك قلما ترى شاعرا من المئات التى ترجم لها الثعالبى فى اليتيمة والباخرزى فى الدّمية والعماد الأصبهانى فى الخريدة إلا وهو يتكسب بأشعار لعلها تفتح له أبواب النعيم.