من عالم الشهوات الحسية إلى عالم العقل المحض. وينتظم جنديا فى الجيش ويفتح كثيرا من البلاد رمزا إلى الاطلاع على الملكوت الأعلى. وتتفق زوجة سلامان مع الطابخ والطاعم فيدسّان لأبسال السم ويموت، ويثأر الأخ لأخيه، فيقتل الزوجة والطاعم (رمزى القوة الشهوانية) والطابخ (رمز القوة الغضبية). وسلامان نفسه فى قتله الثلاثة رمز لغلبة العقل على القوى البدنية.
وأقصوصة الطير يتخذ ابن سينا الطير فيها رمزا للحرية، ويستهلّها بدعوة إخوانه الفلاسفة الى الصفاء والإخلاص والسمو إلى الكمال، ويتصور نفسه طائرا مع طائفة من الطير تنبه لها الصيادون، فنصبوا لها الشّباك، وسرعان ما وقع فيها الطير وتشبثت بأجنحته وأرجله، فاستسلم للهلاك، وشغل كل طائر عن أخيه بأمره وكربه ناسيا حريته الضائعة كما نسيت الأرواح الإنسانية عالمها الذى هبطت منه، وأصبحت سجينة البدن. وتخلّص بعض الطيور روءسها وأجنحتها من الشباك، ولكن تظل أرجلها متعثرة فيها، ويجمع الطير قوته والشباك عالقة به، وييمّم جبل الملك رجاء أن يفكها عنه، ويرى من دونه سبعة جبال ما يزال يقطع وديانها حتى يصل إلى الجبل الثامن ويعرف أن الملك فى مدينة وراءه فينفذ إليه ويبهره جماله، ويتضرع إليه أن يفك عنه الشباك، ويقول له لا يستطيع فكها إلا عاقدوها، ويرسل إليهم رسولا معه ليفكوها عنه، وانصرف الطير مسرورا. وواضح أن كل هذا الجهاد من جبل إلى جبل إنما كان فى سبيل تخلص الأرواح من أجسادها، وترمز الجبال إلى مقامات السلوك إلى محبة الله المعروفة فى بيئات المتصوفة، بينما يرمز الرسول الذى يفكّ الشباك عن الطير إلى ملك الموت.
ويعيد يحيى بن حبش السهروردى كتابة أقصوصة حى بن يقظان متخذا لها اسما جديدا هو الغريبة الغربية، وحى بن يقظان فيها لا يرمز إلى العقل الفعال أو العقل الإنسانى كما رأينا عند ابن سينا، وإنما يرمز إلى المتصوف وجهاده ومقاماته حتى يتصل بربه محبوبه، ويستهل الأقصوصة السهروردى بأنه سافر مع أخيه عاصم من ديار ماوراء النهر إلى مدينة القيروان حيث أسرا وقيّدا فى السلاسل وألقى بهم فى بئر عميقة. ويبدو أنه يرمز بالمغرب والبئر إلى الشهوات التى تحول بين الإنسان وبين حياة الإشراق. ورأى هو وأخوه (رمز العقل كما يتضح من اسمه عاصم) هدهدا فى ليلة قمراء فى منقاره كتاب صدر من شاطئ الوادى الأيمن من البقعة المباركة. وهو كتاب حمل إليهما من الذات العلية يدعوهما إلى السفر (رمز الجهاد الصوفى) بغية الوصول، ويأمرهما بركوب سفينة تجرى بهما فى موج كالجبال صاعدة بهما إلى طور سيناء، ليريا صومعة (الله). ولعله رمز بالموج إلى