للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهوات. ورأيا فى الطريق جماجم عاد وثمود (رمز الضالين) وصعدا الجبل ورأيا أباهما شيخا كبيرا تكاد السموات والأرض تنشق لجماله وجلاله. وكأنه يرمز بذلك إلى وصوله.

ويطلب إلى ربه أن يخلّصه من سجن القيروان غير أنه يأمره بالعودة إليه قائلا إنه يمكنه المجئ إليه كلما شاء. وهو بالعودة إلى سجن القيروان يرمز إلى أن الصوفى لا يستطيع التخلص نهائيا من علائق الأرض. ويقول الله إنك ستتخلص يوما (يوم الموت) من سجن القيروان ولا تعود إليه. ويلقاه فى الرحلة أسد هو رمز القوة الغضبية وحيتان ربما كانت رمزا للشهوات. وكانت الرحلة شاقة. واتخذ السهروردى من مشاقها رمزا للعناء الصوفى فى الوصول إلى المعرفة الإلهية والمحبة الربانية، وقد ختمها بقوله «نجّانا الله من قيد الهيولى والطبيعة».

وإذا كان القصص نما فى العصر هذا النمو على أيدى الفلاسفة والمتصوفة فإن ضروب النثر الأخرى نمت بدورها، وفى مقدمتها المناظرات وخطابة الوعظ. أما المناظرات فكثرت كثرة مفرطة بين أصحاب المذاهب الفقهية، وكذلك بين أصحاب المذاهب الكلامية، وهى أكثر وأوسع من أن نقف عندها، وخاصة أنها كانت علمية الطابع. وأما خطابة الوعظ فتجرد لها كثيرون من الفقهاء والمحدثين والمتصوفة والزهاد وكانوا يعظون الناس فى المساجد بعد صلاة الجمعة وطوال شهر رمضان. ويصور السمرقندى المتوفى سنة ٣٧٣ ما ينبغى أن يكون عليه الواعظ والمستمعون إليه، فيقول (١): إن أول ما يحتاج إليه الواعظ أن يكون صالحا فى نفسه ورعا متواضعا، وأن لا يكون متكبرا ولا فظا غليظا، وأن يكون عالما بتفسير القرآن والأحاديث وأقاويل الفقهاء، وأن لا يحدّث الناس إلا بما صحّ عنده من الأحاديث النبوية والأخبار، وأن لا يسأل إنسانا هدية، أما إذا أهدى إليه إنسان من غير مسألة فلا بأس من أن يقبل هديته، وينبغى أن يمزج فى مجلسه بين الخوف والرجاء، فلا يجعله كله خوفا ولا كله رجاء، وإن كان الواعظ محتاجا إلى تطويل مجلسه تخلله بكلام يستظرفه السامعون حتى يزيدهم نشاطا وإقبالا على سماعه. ومن آداب المستمعين أن يصلّوا على الرسول صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه وأن لا يناموا فى أثناء الوعظ، بل يظلوا ناشطين متنبهين.

ونلمّ على سبيل المثال بطائفة من كبار الوعاظ، فمنهم أبو عثمان الصابونى شيخ الإسلام بخراسان ويقال إنه ظل-كما مرّ بنا-يعظ الناس فى مجالس تذكيره ستين سنة، وإنه كان


(١) بستان العارفين على هامش تنبيه الغافلين للسمرقندى ص ٢٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>