للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الثناء فإن تسمع به حسنا ... فلم أعرّض-أبيت-اللّعن-بالصّفد (١)

ها إنّ ذى عذرة إلا تكن نفعت ... فإن صاحبها مشارك النّكد (٢)

وقد بدأ فشبهه بالفرات فى كرمه، ثم أخذ يصف الفرات فى ارتفاع فيضانه، وعمد إلى تفصيل الصورة، حتى يبرزها وحتى يظهر مقدرته الفنية فى دقة التصوير، فهو قد علت أمواجه ورمت شاطئيه بالزبد، وهو ينساب حاملا ما يقتلعه من الأشجار والنباتات، وإنه ليعصف بكل ما عليه حتى لنرى الملاح معتصما فى مركبه بسكّانها يخشى الغرق. وقد نفى أن يكون الفرات فى فيضانه أكرم من النعمان وأكثر سيبا. ودائما يحاول النابغة أن يخترع مثل هذه الصورة، ليدل على براعته. ونراه يعود إلى استعطاف النعمان، وأنه قدم له هذا الثناء لا يبغى به نواله، وإنما يبغى رضاه، وأنه إن لم يقبل اعتذاره ألقى به فى مهاوى النكد والهم. ومن بديع اعتذاراته قصيدته العينية، وفيها يقول:

وعيد أبى قابوس فى غير كنهه ... أتانى ودونى راكس فالضواجع (٣)

فبتّ كأنى ساورتنى ضئيلة ... من الرّقش فى أنيابها السمّ ناقع (٤)

يسهّد من ليل التّمام سليمها ... لحلى النساء فى يديه قعاقع (٥)

تناذرها الرّاقون من سوء سمّها ... تطلّقه طورا، وطورا تراجع (٦)

أتانى-أبيت اللّعن-أنك لمتنى ... وتلك التى تستكّ منها المسامع (٧)


(١) الصفد: العطاء. أبيت اللعن: تحية كانوا يحيون بها ملوكهم.
(٢) عذرة: اعتذار. مشارك النكد: حليف نكدوهم.
(٣) فى غير كنهه: كنهه: حقيقته، يريد على غير ذنب منه. راكس: واد فى منازل بنى أسد. الضواجع: منحنى الوادى.
(٤) ساورتنى: لدغتنى. ضئيلة: أفعى دقيقة الجسم. الرقش: جمع رقشاء، وهى المنقطة نقطا بيضاء وسوداء. ناقع: قاتل.
(٥) يسهد: يمنع من النوم. ليل التمام: أطول ليالى الشتاء. السليم: الملدوغ. قعاقع: أصوات. كانوا يجعلون الحلى فى يد الملدوغ اعتقادا منهم بأنها تشفيه.
(٦) يقول من خبثها لا تجيب الراقى. بل مرة تجيب ومرة لا تجيب. تناذرها الراقون: خوف بعضهم بعضا منها.
(٧) تستك: تضيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>