المعروف باسم ابن الجلاّء المتوفى سنة ٣٠٦ تلميذ ذى النون المصرى مؤسس التصوف الإسلامى كما سنذكر ذلك فى حديثنا بجزء مصر، وتلمذته لذى النون تجعله أول متصوف شامى بالمعنى الحقيقى.
وكان ذو النون يجمع بين الشريعة وفروضها وبين الحقيقة الصوفية الروحية، فلا تعارض بين الشرع والتصوف، بل هما متلاحمان، وعنه أخذ ذلك ابن الجلاّء كما أخذ بقية مبادثه الصوفية من التوكل والحب الإلهى. ويقول ابن تغرى بردى إنه أحد مشايخ الصوفية الكبار، ويقول مريده وتلميذه الرّقّى محمد بن داود:«لقيت نيفا وثلاثمائة من المشايخ المشهورين، فما لقيت أحدا بين يدى الله وهو يعلم أنه بين يديه أهيب من ابن الجلاء». وعاش الرقى بعده فى الشام إذ توفى بعد سنة ٣٥٠. ومن مريديه وتلامذته فى الشام أبو عمرو الدمشقى المتوفى سنة ٣٢٠ وكان يقول:
«التصوف رؤية الكون بعين النقص بل غض الطرف عن كل ناقص ليشاهد من هو منزه عن كل نقص» يريد تعلق التصوف بالرؤية الإلهية التى يغض فيها المتصوف بصره عن كل ما يشاهده فى الكون أملا فى أن يفنى فى الذات الربانية، وذكر مترجموه أن له كتابا فى الرد على القائلين بقدم الأرواح.
ومن كبار المشايخ فى الشام أحمد بن عطاء الروذبارى المتوفى سنة ٣٦٩ وهو ابن أخت أبى على الروذبارىّ شيخ الصوفية فى الفسطاط، أما هو فكان شيخ الشام فى وقته، وكان ممن جمع بين الحقيقة وعلم الشريعة. ودخل الشام محمد بن خفيف الشيرازى شيخ المشايخ المتوفى سنة ٣٧١ ويحكى أنه: «دخل مدينة صور وهو جائع عطشان وفى وسطه خرقة المتصوفة، يقول:
فدخلت المسجد، فإذا شابّان مستقبلا القبلة فسلمت عليهما فما أجابانى، فقلت: ناشدتكما الله إلا رددتما علىّ السلام، فرفع أحدهما رأسه من مرقّعته الصوفية فنظر إلىّ وردّ السلام وقال لى: يا بن خفيف الدنيا قليل وما بقى من القليل إلا قليل، فخذ من القليل الكثير، فذهب جوعى وعطشى ونصبى (تعبى) فلما كان وقت العصر قلت له: عظنى، فقال: يا بن خفيف: نحن أصحاب المصائب ليس لنا عظة. وربما كان أهم تلامذة أحمد بن عطاء الروذبارى ومريديه محمد بن إبراهيم السوسى شيخ الصوفية بدمشق المتوفى سنة ٣٨٦ وكان زاهدا عابدا ما عقد على درهم ولا دينار. وظل كثيرون من العباد والنساك يؤثرون جبال الشام ويقيمون بين ربوعها ويذكر المقدسى الجغرافى المتوفى حوالى سنة ٣٧٥ أنه لقى فى جبل الجولان شرقى الشام أبا إسحق البلوطى فى أربعين رجلا يقتاتون البلوط، يفلقونه ويطحنونه ويخلطونه بشعير برّىّ ويلبسون الصوف.
وينبغى أن نذكر أن المتصوفة كانوا غالبا لا يستقرون فى أوطانهم، بل يرحلون سانحين للقاء مشايخ