كما مر بنا آنفا الطريقة القلندرية. ودخلته الطريقة المولوية، ومؤسسها جلال الدين الرومى المتوفى سنة ٦٧٣ وتبع هذه الطريقة كثيرون. ونزل الشام عفيف الدين التلمسانى المتوفى سنة ٦٩٠ وكان صوفيا فلسفيا يؤمن بمذهب وحدة الوجود واحتمله فقهاء الشام فيما يبدو لحسن عشرته.
ولعل فقيها لم يحمل على الصوفية كما حمل ابن تيمية الحنبلى المتوفى سنة ٧٢٨. وكان يحمل على أصحاب التصوف الفلسفى. وهذا طبيعى. وحمل أيضا على أصحاب التصوف السنى من أتباع الشيخ أحمد الرفاعى لما كانوا يأتون من أعمال شاذة كنفوذهم من النار المضطرمة، وأكلهم الحيات وهى حية، ولبسهم أطواق الحديد الثقيلة فى أيديهم، ولفهم شعورهم وتلبيدها. وثار عليهم ثورة عنيفة بدمشق واجتمع الناس إليه، فذهب بهم إلى نائب السلطان وعرّفه ما تصنعه هذه الطائفة من بدع عجيبة، فأمرهم بالكف عنها. أما أصحاب التصوف الفلسفى وما يتصل به من القول بالحلول ووحدة الوجود فقد أشعل ابن تيمية ضدهم نارا حامية ظل يذكيها بوقود جزل يزيدها لهبا واضطراما، واصطلى النار الباجريقى محمد بن عبد الرحمن، وكان قد تزهد وتصوف فصحبه جماعة من الأراذل، فهوّن لهم أمر الشرائع وأراهم بوارق شيطانية، وكان يقول لهم: إن الرسل طوّلت على الأمم الطريق إلى الله تعالى» وزعم أنه وصل فى سلوكه إلى السماء الرابعة، وحكم عليه بإراقة دمه فاختفى إلى أن مات سنة ٧٢٤. ودعا إلى مقالاته بعده متصوف من متصوفة خانقاه السميساطية بدمشق يسمى عثمان بن عبد الله الدّوكالى، وشاع أمره فقبض عليه، وكان ممن شهد عليه فقيهان كبيران هما المزّىّ والذهبى، فحكم عليه بالقتل سنة ٧٤١.
وشاعت فى الشام لأواخر القرن الثامن وأوائل التاسع الهجرى الطريقة النقشبندية، ومؤسسها محمد النقشبندى المتوفى سنة ٧٩١. وأخذت تشيع معها لأواخر زمن المماليك الطريقة البكتاشية التى تدين بالنظريات الحلولية ولا تقيم وزنا للسنن والفرائض الدينية وتقدس عليا والأئمة من بعده.
ومنذ القرن الثامن الهجرى نحس بوضوح أن العامة تخضع لمشايخ الطرق الصوفية بأكثر مما تخضع للفقهاء وعلماء الدين ربما بسبب خضوعهم للحكام بخلاف مشايخ الطرق الصوفية فإنه لم يكن لهم أى تعلق بالدنيا وكانوا يكتفون بما يجرى على خانقاهاتهم من أموال ولم يكن الشيخ يمدّ يده للحاكم يأخذ منه مالا. وكانوا كثيرا ما يحملون على الحكام إذا رأوهم انحرفوا عن الطريق السّوىّ.
وتحول كثير من أتباعهم إلى دراويش يطوفون فى العالم الإسلامى، وكان لهم أثر غير قليل فى حفاظ العامة على الروح الإسلامية.
ونمضى إلى زمن العثمانيين فتنشط الطرق الصوفية لاهتمامهم بها ورعايتهم لها، وتشيع معها