للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حملوا عنهم علمهم من التابعين. وأصبحت دمشق سريعا حاضرة الخلافة الإسلامية منذ وليها معاوية، وطبيعى أن يعنى الأمويون بمن يفقّه الناس فى شئون دينهم، ومن يروى لهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من كبار الحفاظ، ومن يفسر لهم بعض آى الذكر الحكيم، ومن يعظهم ويبلغ تأثير وعظه شغاف قلوبهم. وكان هناك القضاة الذين يحكمون بين الناس بالحق، ويفتونهم فيما يجدّ من شئونهم.

ومعروف أمر عمر بن عبد العزيز لواليه على المدينة أبى بكر محمد بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنته أو نحو هذا فاكتبه لى، فإنى خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وكتب بمثل ذلك إلى الآفاق، وتوفى سريعا قبل تمامه. وكان أول من صدر عن هذه الرغبة العظيمة ابن شهاب الزهرى المتوفى سنة ١٢٤ للهجرة. وتدوينه للحديث أول تدوين عام له، وأخذ تدوينه بعده يتسع فى الشام وغير الشام.

وسجلت الشام مبكرة سبقا فى قراءة القرآن وإتقانها، فإن عريفا ممن كانوا يقومون على عشرة من حفظة القرآن بين يدى أبى الدرداء هو عبد الله بن عامر المتوفى سنة ١١٨ للهجرة استطاع أن يبلغ من إحكام قراءة الذكر الحكيم أن يكون له قراءة مستقلة، وأن يكون أحد القراء السبعة المشهورين فى الأمصار الإسلامية لزمنه وبعد زمنه. وما نلبث بأخرة من العصر الأموى وأوائل زمن الولاة فى العصر أن نلتقى بفقيه مجتهد، وبلغ من اجتهاده أن أصبح إماما فى الفقه وصاحب مذهب مستقل هو الأوزاعى أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو المتوفى سنة ١٥٧ ببيروت مسقط رأسه.

ومعنى ذلك أن الحركة العلمية التى بعثها الأمويون فى الشام وقاموا عليها بما كانوا ينفقون على علماء الدين فى كل بلد شامى من أموال آتت ثمارها، فإذا الشام يصبح لها إمام فقيه يتدارس الفقهاء فقهه وكتبه فى الأجيال التالية، وكذلك يصبح لها قارئ من القراء السبعة يقرأ أهل الشام بقراءته حقبا متعاقبة.

ونشطت الدولة الأموية لترجمة علوم الأوائل اليونانية وبعض الرسائل الأدبية الفارسية، وسنلمّ بذلك فى غير هذا الموضع، إنما نهتم الآن بمتابعة الحركة العلمية الدينية واللغوية، ودائما توجد مع العناية بالقراءات عناية واسعة باللغة والنحو ويقوم عليهما مؤدبون، يعلمون الناس العربية فى المساجد حتى لا يخطئوا فى تلاوة الذكر الحكيم. ولم يقصّر الخلفاء وأمراء البيت الأموى فى تأديب أبنائهم وإحضار المعلمين لهم، وفى كتب الأدب لهم وصايا لمؤدبى أبنائهم وكيف يهذبونهم ويقوّمون ألسنتهم. وكانوا ابتغاء دربتهم على العربية والنطق الفصيح يرسلون أحيانا بهم

<<  <  ج: ص:  >  >>