إلى البادية، حتى يتزودوا باللغة من ينابيعها الأصلية، وكان الوليد بن عبد الملك يلحن أحيانا، ولا حظ ذلك أبوه فقال:«أضرّ بالوليد حبّنا له فلم نوجّهه إلى البادية»(١).
وظل هذا النشاط فى تعلم اللغة بجانب النشاط فى تعلم الدراسات الدينية، وأخذت تتوالى طبقات فى زمن الولاة العباسيين تجعل همها التعليم فى المدن وأيضا فى القرى، والدولة لا تقصّر، بل دائما تجرى عليهم الرواتب، مما دفع إلى ظهور علماء فى كل فرع من فروع الدراسات الدينية واللغوية.
ويظلّ الشام عهد الطولونيين ثم عهد الإخشيديين وتزيد إدرارات الرواتب على العلماء ويطّرد النشاط العلمى فى الشام. واهتم معاوية أول خليفة أموى بأخبار الأمم القديمة، واستقدم لذلك من اليمن عبيد بن شريّة الجرهمى، وجعلها عبيد موضوعا لسمره وأحاديث معه، وجمع كثيرا من هذه الأحاديث فى كتاب له سماه «كتاب الملوك وأخبار الماضين»، طبع له فى حيدرآباد مع كتاب التيجان فى ملوك حمير ويلقانا منذ القرن الرابع للهجرة مؤرخون مختلفون فى الشام، على نحو ما سيتضح ذلك فى نهاية الفصل. .
وجدير بنا أن نقف قليلا عند حركة علمية وأدبية باهرة دفع إليها سيف الدولة الحمدانى (٣٣٣ - ٣٥٦ هـ) حين أظلّ لواءه حلب وإقليمها ومادان لحكمه من أنطاكية وحماة وغيرهما من بلاد الشام، ومر بنا حديث عن بطولته الخارقة وكيف كان يقف درعا، بل سدّا منيعا للبلاد العربية أمام البيزنطيين وكيف نكّل بهم وبجموعهم مرارا وتكرارا. وبجانب هذه البطولة الخارقة كان راعيا عظيما للعلوم والآداب والفنون فى زمنه، مما جعل حلب عاصمته تصبح كعبة للقصاد من الفلاسفة أمثال الفارابى المعلم الثانى أكبر فلاسفة المسلمين حتى أيامه، ومن اللغويين والنحاة أمثال أبى على الفارسى وابن جنى وابن خالويه. وسنراه عما قليل يرعى علماء الطب وأفذاذه، كما يرعى بعض المنجمين. أما الشعراء فلم يجتمع بباب أحد من الأمراء-بعد الخلفاء-ما اجتمع ببابه كما يقول الثعالبى، وقد أفرد له ولشعرائه فصولا طويلة فى الجزء الأول من كتابه اليتيمة أمثال النامى والببغاء والوأواء الدمشقى والخالديين والسّرىّ الرّفاء وكشاجم وابن نباتة السعدى. ويخيل إلى الإنسان أنه لم يبق شاعر فى الشام والعراق وإيران إلا قدم إليه مدائحه، ويكفى أنه نزل عنده لمدة