للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلقات الشيوخ، أما إذا انتظم فى مدرسة فإنه كان يأخذ راتبا معينا يكفل له الحياة. وكان السلاجقة يفسحون فى بناء المدارس لقوادهم ولذوى الثراء. وأول مدرسة بنيت فى دمشق المدرسة الصادرية (١) بناها شجاع الدولة صادر بن عبد الله لدراسة الفقه الحنفى سنة ٤٩١. وفى سنة ٥١٤ بنى أتابك العساكر الملقب بأمين الدولة أول مدرسة (٢) للشافعية، ثم بنيت للأحناف المدرسة الطرخانية سنة ٥٢٥ وبعدها بقليل بنيت لهم المدرسة البلخية. وبنيت فى هذه الأثناء أول مدرسة بحلب سنة ٥١٦ وهى المدرسة الزجاجية بناها حاكمها الأرتقى بدر الدولة أبو الربيع سليمان

ويظلّ الشام لواء الزنكّيين عماد الدين ونور الدين محمود وخليفته صلاح الدين ثم الأيوبيين، وتتنفس الصعداء، فبالرغم من أن هؤلاء الحكام كانوا فى شغل مستمر بحروب حملة الصليب وهدم قلاعهم وحصونهم كانوا يبنون ويؤسسون المدارس لفقهاء المذاهب الأربعة، ومضى على منوالهم المماليك بحيث تزدهر فى الشام نهضة علمية رائعة. وكان يوقف على كل مدرسة أوقاف دارّة تكفل للمدرسين والمعيدين رواتب مجزية. وكان يلحق بالمدرسة مبان للطلاب، يقدّم لهم فيها الغذاء، ويقيمون فيها للراحة والنوم. وكانت تلحق أيضا بالمدرسة خزانة كتب يختلف إليها الطلاب للقراءة والبحث، وكان يقدّم إليهم الورق وأدوات الكتابة. ويذكر ابن جبير فى رحلته لسنة ٥٧٨ أنه رأى بدمشق عشرين مدرسة وبحلب خمس مدارس يقول: «ومن أحسن مدارس الدنيا منظرا مدرسة نور الدين، وبها قبره نوّره الله، وهى قصر من القصور الأنيقة» بناها سنة ٥٦٣ لأصحاب الفقة الحنفى. وقد أخذت المدارس تتكاثر كثرة مفرطة فى دمشق وحلب وغيرهما من بلدان الشام. ولم يقف تشييدها عند السلاطين الأيوبيين، فقد اشترك معهم فيها نساؤهم وقوادهم والأمراء من بينهم خاصة حكام البلدان الشامية، كما اشترك بعض ذوى اليسار. وقد عدّ ابن الشحنة منها فى كتابه الدر المنتخب فى مدارس حلب نحو خمسين مدرسة فى بلدة شامية واحدة أسست بين سنتى ٥١٦ و ٥٦٥ وجاء بعده ابن شداد، فعد لدمشق فى سنة ٦٨٠ وهى سنة تأليفه للأعلاق الخطيرة أربعة وثلاثين مدرسة حنفية وأربعين مدرسة شافعية وثلاثة مالكية وعشرة حنبلية. ويعكس هذا العدد حقيقة كبرى هى مدى شيوع هذه المذاهب فى الشام فأكثرها انتشارا


(١) الأعلاق الخطيرة لابن شداد: تاريخ مدينة دمشق ص ١٩٩ والدارس فى تاريخ المدارس للنعيمى ١/ ٤٢٩.
(٢) سميت الأمينية نسبة إلى مؤسسها، ويقال إنه بنيت قبلها مدرسة سميت الجاروخية وانظر فى حديثنا عن المدارس المصدرين السالفين.

<<  <  ج: ص:  >  >>