للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه المذهب الشافعى ثم المذهب الحنفى ثم المذهب الحنبلى ثم المذهب المالكى. ولم يبن للمذهبين الأخيرين مدارس إلا فى عهد الأيوبيين منذ صلاح الدين. وكان بيت المقدس يكتظ هو الآخر بمدارس المذاهب الأربعة، وعلى شاكلته كثير من مدن الشام الكبرى، وفى ذلك يقول ابن خلكان عن نور الدين محمود إنه «بنى المدارس بجميع بلاد الشام الكبار مثل دمشق وحلب وحماة وحمص وبعلبك ومنبج» (١). وبجانب مدارس المذاهب الفقهية عنوا بتأسيس مدارس الحديث النبوى، من ذلك دار الحديث النورية التى أسسها نور الدين محمود بدمشق، وولّى مشيختها الحافظ المؤرخ الكبير ابن عساكر. وبنى الأشرف موسى الأيوبى صاحب دمشق دار حديث بها ثانية سنة ٦٣٠ وألحق بها خزانة كتب ومسكنا لشيخها، ووقف عليها أوقافا كافية، وأسند مشيختها إلى ابن الصلاح الحافظ المحدث المشهور، وفيما بعد أسندت إلى الإمام الشافعى:

النووى.

وبدون ريب بعثت هذه المدارس الكثيرة كثرة مفرطة بالشام نهضة علمية باهرة، فكثر العلماء فى كل علم حتى ليروى العماد الكاتب فى كتابه «الفتح القدسى» أنه وزّع فى إحدى المناسبات على علماء دمشق ستمائة دينار فخصّ كل عالم دينار واحد (٢)، أى أنه كان بها حينئذ ستمائة عالم غير من لم يشملهم التوزيع ومن لم يحضروه. وما بالنا إذن بما كان ينفقه نور الدين بل صلاح الدين بعده على العلماء والمدارس، لا بد أنه كان يبلغ مئات الألوف من الدنانير. وساعد على هذه النهضة نور الدين وصلاح الدين وسلاطين أسرته: ويروى ابن خلكان فى ترجمة نور الدين إنه كان لا يزال يحتاج إلى الأموال الكثيرة فى حربه لحملة الصليب فقال له بعض أصحابه إن فى بلادك إدرارات وصدقات وصلات كثيرة على قراء الذكر الحكيم والفقهاء والصوفية، ولو استعنت بها لكانت أصلح، فغضب من ذلك غضبا شديدا وزجر صاحبه زجرا عنيفا. وكان صلاح الدين على شاكلته فى العناية بالفقهاء والقراء والصوفية، وكان يختلس من أوقاته ما يعطيه الفرصة لحضور مجالس العلماء مهما بعدت الشقة كما حدث فى ذهابه إلى الإسكندرية للاختلاف إلى حلقة السّلفى الحافظ المشهور (٣) واشتهر المعظم عيسى صاحب دمشق بتعمقه فى الفقه وأنه ألف فيه كتابا وأيضا


(١) ابن خلكان فى ترجمة نور الدين محمود ٥/ ١٨٥.
(٢) الفتح القدسى ص ٤٨١.
(٣) سمع ابنه العزيز صاحب مصر بعده الحديث على السلفى أيضا: انظر النجوم الزاهرة ٦/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>