للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه كان يتعمق فى دراسة النحو (١). فسلاطين بنى أيوب كانوا مثقفين (٢)، ولذلك حاولوا أن يدفعوا الحركة العلمية إلى الذروة.

ويعدّ صاحب الأعلاق الخطيرة لدمشق نحو ثلاثمائة مسجد غير الزوايا والخانقاهات، وكثير منها كانت تلقى فيه المحاضرات والدروس. وظل هذا الحشد الهائل من الخانقاهات والمساجد والمدارس فى زمن المماليك وأخذوا يضيفون كثيرا من الخانقاهات ومدارس الفقهاء وغيرهم من علماء الدين والعربية. وحقا كانت كثرة المماليك غير مثقفين، وهم من هذه الناحية يختلفون عن سلاطين بنى أيوب، ومع ذلك عنوا عناية واسعة بالثقافة وبناء المدارس والمساجد والخانقاهات والإنفاق عليها عن سعة، على أنه عرف بعض متأخريهم بمدارسة العلم ورعاية العلماء والأدباء مثل السلاطين: برقوق والمؤيد شيخ وقايتباى والغورى.

ومعنى ذلك أن الحركة العلمية ظلت مزدهرة طوال أيام المماليك، غير أنه يلاحظ أن نفوذ الفقهاء ازداد فى هذا العصر وازداد معه نفوذ المتصوفة وشاع معه الاعتقاد فى كراماتهم والمبالغة فى ذلك، وبدون ريب كان بينهم كثيرون أجلاء على معرفة وفقه بصير بالشرع، ولكن كان بينهم دخلاء مشعوذون جعلوا العامة يتعلقون بالأولياء، ومنحوهم علم الغيب والقدرة على إنفاذ ما يريده المتوسلون بهم. ويقف المستشرقون عندما نزل بابن (٣) تيمية من محن، ويحاولون أن يتخذوا من ذلك دليلا على جمود الفكر الدينى حينئذ غير ملاحظين أن ابن تيمية نفسه كان إماما حنبليا يدين بمذهب ابن حنبل وهو أكثر المذاهب سلفية. ومع ذلك كان من أكثر فقهاء عصره تحررا فكريّا، وقد حارب الصوفية فى منازعهم الفلسفية وكل ما قالوا به فى الحلول ووحدة الوجود، وحارب الشيعة الإسماعيلية وما يزعمون لأئمتهم من العصمة وتمثيل العقل الكلى وما يتصل به من تجسد الإله


(١) مختصر مرآة الزمان ٤٢٦ وما بعدها
(٢) مما يذكر عن هؤلاء السلاطين أنه كان لهم بعض مؤلفات، فكما كان للمعظم عيسى كتاب فى الفقه الحنفى كان للمنصور محمد الأيوبى صاحب حماة كتاب فى تاريخها ومن زارها أو اتخذها مسكنا من الأعلام (مختصر مرآة الزمان ٤٢١) وكان الامجد الأيوبى صاحب بعلبك يحضر دروس الحافظ اليونينى، وكانوا يعدون حضور مجلس العلماء شرفا ما بعده شرف.
(٣) انظر فى ترجمة ابن تيمية فوات الوفيات ١/ ٦٢ والنجوم الزاهرة ٩/ ٢٧١ والمنهل الصافى ١/ ٣٣٦ وتذكرة الحفاظ للذهبى ٤/ ٢٢٨ وتاريخ ابن الوردى ٢/ ٢٨٤ والدرر الكامنة ١/ ١٥٤ والقول الجلىّ فى ترجمة الشيخ تقى الدين بن تيمية الحنبلى لصفى الدين الحنفى والكواكب الدرية فى مناقب ابن تيمية لمرعى الكرمى وابن تيمية للشيخ محمد أبو زهرة وابن تيمية للدكتور محمد يوسف موسى وأسبوع الفقه الإسلامى ومهرجان ابن تيمية طبع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالقاهرة ودائرة المعارف الإسلامية وما بها من مراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>