للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يبدأ برسم صورة هذا الثور، فقوائمه مزينة بما فيها من نقط، وهو ضيامر كالسيف المسلول، يجرى فى الصحراء خائفا متوجسا لما تسقط عليه السماء من برد لا ينقطع. ولم يلبث أن ذعر ذعرا شديدا إذ سمع صوت قانص يهتف بكلابه، فأسرع فى جريه، ولمحه القانص فبعث عليه كلابه، فاشتدت قوائمه وكعوبه مستخرجا منها كل ما يبتغى من سرعة، ولكن الكلاب لحقت به، وكان أول ما لقيه منها ضمران، ونشب بينهما صراع عنيف، أهوى فيه الثور على خصمه بقرنيه، ولم يلبث أن طعنه بأحدهما طعنة نجلاء، نفذت إلى ظاهر صدره، فكنت ترى الكلب من وهلته يعلك أعلى القرن وما خرج منه متقبضا متألما إلى أن لفظ أنفاسه. ولما رأى واشق ما أصاب أخاه وأنه لن يستطيع أن يعينه ولا أن يدرك بثأره أحجم عن لقاء الثور إبقاء على نفسه، وقد أخذه اليأس من أن يصيد صاحبه كما كان يبغى، فدون بغيته الموت والهلاك.

وهذا الوصف أكثر حيوية من النسيب السابق، لما بثّ النابغة فى الحيوان من حياة الإنسان وعواطفه وقلقه وطمعه ويأسه، فالثور خائف يترقب، والكلاب طامعة تتربص. وتنشب المعركة وكأنها معركة آدمية، فالثور يطعن طعن الرجل المدافع عن عرينه وحماه. ويقتل ضمران. وينظر أخوه واشق فيرى أن القصاص غير ممكن، وتحدثه نفسه بأنه يطمع فى غير طائل، وما يلبث أن ينصرف عن المعركة، وقد قذفت به فى مهاوى اليأس والقنوط. ولا ينسى النابغة مهارته فى التصوير سواء من حيث تمثيل المنظر وتجسيمه أو من حيث التشبيهات وإدخالها فى نسيج الأبيات.

وفى ديوانه فخر وهجاء يتصل بشئون قبيلته البدوية وما كان بينها وبين بنى أسد من حلف وبينها وبين بنى عامر من حرب، وهو فى هذا القسم من شعره لا يتوفر على إحكامه وإظهار مهارته فيه شأنه فى المديح والاعتذار والرثاء، وكأنه كان يمنعه وقاره أن يتمادى فيه، وخاصة فى الهجاء، واقرأ له هذه الأبيات فى عامر بن الطفيل وقد بلغه أنه يهجوه:

فإن يك عامر قد قال جهلا ... فإن مطبّة الجهل السّباب

<<  <  ج: ص:  >  >>