للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلّ يوم له على نوب الدّه‍ ... ر وكرّ الخطوب بالبذل غاره

ولأبى العلاء المعرى ديوان معروف يسمى «سقط الزّند» أكثره مدائح نظمها على سبيل التمرين لا قصدا لمديح شخص بعينه إلا ما ندر، فهو لم ينظم كثرتها طلبا للكسب ونيل العطاء، وإنما على سبيل التدريب اتباعا لشعراء المديح المنتشرين بزمنه فى كل مكان، ومن قوله على طريقتهم فى المديح بأولى قصائد سقط الزند:

مكلّف خيله قنص الأعادى ... وجاعل غابه الأسل الطّوالا

تكاد قسيّه من غير رام ... تمكّن من قلوبهم النّبالا

فالخيل لكثرة ما جعلها الممدوح تمارس القتال تقتنص بنفسها الرجال. وإنه لأسد حقا غير أن عرينه ليس غابا بل رماحا طوالا تخطف الأرواح خطفا، وإن قسيّه لتصيب أعداءه فى الصميم دون رام ينزع عنها النبل والسهام، وهى مبالغة مألوفة عند أصحاب المديح لأيامه.

ومرّ بنا أن بنى مرداس خلفوا الحمدانيين فى حلب، وعنى منهم خاصة محمود بن نصر بجمع الشعراء حوله فاجتمع فى حاشيته كثيرون منهم عبد الواحد الحلبى الربعى وابن حيّوس الدمشقى وابن النحاس الحلبى وابن سنان الخفاجى. وحدث أن قطبان أنطاكية أو بطريقها استولى فى شعبان سنة ٤٦١ على حصن «أسفونا» ونكّل تنكيلا شديدا بأهله، فحاصره محمود بن نصر وفتك بجميع رجاله، وكانوا نحو ألفين، وردّ محمود الحصن على أهله، وهنّأه ابن سنان الخفاجى بهذا النصر المبين قائلا فى إحدى قصائده (١).

إن أظهرت لعلاك أنطاكيّة ... حزنا فقد ضحكت على قطبانها

لما أطلّ له لواؤك خافقا ... عرفت وجوه الذّلّ فى صلبانها

وحين زار حلب نظام الملك وزير ألب أرسلان السلجوقى قدّم له كثيرون من شعرائها مدائحهم، وكان وافر العقل بصيرا بتدبير الملك سيوسا بعيد النظر، فساس الدولة السلجوقية خير سياسة، وهو مؤسس المدارس أو الجامعات النظامية فى العراق وإيران، وله يقول محمد بن أحمد الشطرنجى الحلبى من مدحة طويلة على أبواب حلب (٢)


(١) زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن؟ ؟ ؟ ٢/ ١٤ وما بعدها والديوان طبعة بيروت ص ١١٣.
(٢) دمية القصر ١/ ١٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>