للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يعلن حبه لآل البيت حبا لا يماثله حب، وهو حب يراه فرضا مكتوبا على كل مسلم مخلص لدينه. ويبدو أنه كان يغلو فى هذا الحب غلو الرافضة، إذ يسمى أعداءهم زنادقة، ويعجب أن يفكر فى شفاعتهم يوم القيامة مبغض لهم تأكل نار بغضهم قلبه. وكان يعاصره ابن منير المتوفى سنة ٥٤٨ ويقول عنه العماد: كان غاليا متشيعا (١) ولم يرو شيئا من شعره الشيعى الغالى. وكان طلائع بن رزّيك وزير الخليفتين الفاطميين: الفائز والعاضد شيعيا إماميا، وكان من مقربيه ثقة الملك الحسن من بنى أبى جرادة الحلبيين المتوفى سنة ٥٥٥، وله فيه مدائح بها إشارات لبعض عقائد الشيعة (٢)، ويبدو أن أسرته كانت تعتنق مذهب الشيعة الإمامية مثلها فى ذلك مثل أهل حلب موطنها. ومن شعراء الشام الشيعة فى الخريدة عرقلة الدمشقى حسان بن نمير المتوفى سنة ٥٦٧ وينشد العماد مقطوعة طويلة يذكر فيها تشيعه قائلا (٣):

أنا من شيعة الإمام حسين ... لست من سنّة الإمام يزيد

وهو يريد يزيد بن معاوية الذى قتل الحسين أيام خلافته، وسماه الإمام تهكما وسخرية. ونظل فى زمن الأيوبيين والمماليك نستمع إلى أشعار تبكى الحسين أو تمدح آل البيت على نحو ما نجد عند فتيان الشاغورى الدمشقى المتوفى سنة ٦١٥ للهجرة، ويلقانا فى مطالع ديوانه باكيا الحسين ذارفا عليه الدمع مدرارا منشدا (٤):

لم لا أسحّ بيوم عاشوراء ... من مقلتىّ دما يمازج ماء

يوما به قتل الحسين بكربلا ... قتلا حوى كربا به وبلاء

ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم، وفيه استشهد الحسين على نحو ما هو معروف.

ولفتيان قصيدة طويلة فى حب آل البيت يقول إنه نظمها مؤملا عفو الله ورضاه، وفيها يشيد بالرسول ورسالته المحمدية الكبرى، ويسترسل فى التنويه بعلى بن أبى طالب وانتصاراته المجيدة على أعداء الإسلام وينوه بعلمه وزهده وتقشفه، ثم يفيض فى الحديث عن مصرع الحسين المفجع بمثل قوله (٥):

ألهفى للحسين غداة أضحى ... هناك «بكربلا» شلوا قتيلا


(١) الخريدة ١/ ٧٦
(٢) الخريدة ٢/ ١٩٩
(٣) الخريدة ١/ ٢٠١
(٤) ديوان فتيان الشاغورى (طبع مجمع اللغة العربية بدمشق) ص ٦
(٥) الديوان ص ٥٨٠ والشلو: العضو من الإنسان والجمع أشلاء، كناية عن الموت

<<  <  ج: ص:  >  >>