للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لى إذ نزلت وهو من السّك‍ ... رة والهمّ طافح ليس يصحو

لم تغرّبت قلت قال رسول ال‍ ... لّه والقول منه نصح ونجح

سافروا تغنموا فقال وقد قا ... ل تمام الحديث صوموا تصحّوا

وهى دعابة تلسع لسع الإبر، فقد صور نزوله على مضيفه بقرح وهو ما يصيب الإنسان من عضّ السلاح ونحوه، كأنما نزوله عليه كان كارثة، وقال إنه مسّه من الجوع قرح لا يزال ينزّ ألما، وكأنما يستلهم آية سورة آل عمران: {(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)} أى إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر. ويقول إن الدهر هو الذى حكم عليه هذا الحكم القبيح، ولقد أصابته سكرة من الشح والهم، فسأله سؤالا مزريا: لم تغربت ونزلت عندى، فأجابه لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: سافروا تغنموا، فبادر إليه يقول: تمام الحديث: صوموا تصحّوا، وكأنه يطلب إليه أن يظل جائعا بل أن يصوم ويظل صائما ما ظل عنده. ويقول الغزى المتوفى سنة ٥٢٤ فى هجاء حاكم من حكام إيران يسمى شروانشاه (١):

رأيت لؤما مصوّرا جسدا ... شيمته الاحتيال والكذب

على سرير كالنّعش لا رهب ... يعلوه من هيبة ولا رغب

يجبه بالهجر من يخاطبه ... بين السّعالى وبينه نسب (٢)

يفرقه الناس للسّفاهة وال‍ ... ‍عقرب يخشى وخدّه ترب

للجمع والمنع قائم أبدا ... كالفيل لا تنثنى له ركب

وهو هجاء لاذع كوى به جلد هذا الحاكم، بل لقد تحولت الأبيات فى يد الغزى إلى ما يشبه سياطا بل شواظا من نار يصبه فوق رأسه صبا، فهو تمثال للؤم والكذب، يجلس لا على سرير بل على نعش لا يظله رهب منه ولا رغب فى ماله، لما عرف عنه من شحّ بغيض، وأنه يصكّ مخاطبه بكلام قبيح، وكأنما هو ليس من البشر، بل إن بينه وبين الغيلان نسبا ذميما. والناس يخشونه لسفاهته كما يخشون العقرب وخدها ملطخ بالتراب، وكأنما خلق كالفيل قائما أبدا إذ لا ينام فعيناه مشدودتان دائما لجمع المال ومنعه عن مستحقيه شحّا بغيضا لا يدانيه شح. وكان العرقلة الكلبى المتوفى سنة ٥٦٧ كثير الهجاء حتى هجا نفسه، وله من أبيات وقد أعطاه بعض من مدحهم لا مالا، بل شعيرا فقال (٣):


(١) الخريدة (قسم الشام) ١/ ١٩
(٢) السعالى: الغيلان
(٣) الخريدة (قسم الشام) ١/ ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>