للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الإمام النووى الفقيه الشافعى المتوفى سنة ٦٧٦ للهجرة (١).

وجدت القناعة أصل الغنى ... فصرت بأذيالها ممتسك

فلاذا يرانى على بابه ... ولاذا يرانى به منهمك

وعشت غنيّا بلا درهم ... أمرّ على الناس شبه الملك

وكان محيى الدين النووى إماما ورعا زاهدا مثابرا على التقوى والقناعة، فلا أحد من الحكام-كما يقول-يراه على بابه طالبا حاجة، ولا أحد يراه مشغولا به منهمكا، فانهماكه إنما هو فى العبادة والتهجد والنسك وفتوى الناس فى أمور دينهم وتدريس الفقه والحديث النبوى آخذا نفسه فى حياته بالتقشف الشديد. ويقول مصطفى البابى الذى مرت ترجمته: إن الأرض مقبرة كبرى تطؤها أقدامنا غير واعين، بل إنه يبعد فى خياله قائلا.

قد غنينا عن الدروس بما تم‍ ... لى علينا صحائف الأيام

من عظات تتلى بغير لسان ... وسطور خطّت بلا أقلام

ولو أنّ العيون زال غشاها ... لرأت كلّ أخمص فوق هام (٢)

بل وفى كل وردة ألف خدّ ... وقضيب يميس ألف قوام

فالحياة قصيرة والمصير للجميع الموت، وحرى بالإنسان أن يفكر فى هذا المصير المقدم عليه، وكم ملايين بل مئات الملايين ماتوا وواراهم أهلهم التراب، حتى لكأن أى مكان لا يخلو منهم، وحتى لكأننا نطؤهم بأقدامنا، فهم منبثون فى كل بقعة وفى كل مكان. ويقول البابى لوزالت الغشاوة عن أعيننا لرأينا-ويالهول ما نرى-أقداما تطأ رءوسا، ولها لنا أن الورد النابت من الأرض يستمد حمرته من ألف خد، وبالمثل قضيب الأغصان الأهيف المائس المختال يستمد اختياله من ألف قدّ. ويلاحظ المحبى أن المشهور فى هذا المعنى قول أبى العلاء.

خفّف الوطء ما أظنّ أديم ال‍ ... أرض إلا من هذه الأجساد


(١) الكشكول (طبعة عيسى الحلبى) ١/ ٣٠١
(٢) الأخمص: باطن القدم: الهام: الرأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>