رويدا بأخفاف المطىّ فإنما ... تداس جباه فى الثّرى وخدود
وكأن البابى نظر إلى معنى البيتين جميعا، ويضيف المحبى أن منزع هذا كله قول المتنبى:
ويدفن بعضنا بعضا ويمشى ... أواخرنا على هام الأوالى
والأوالى: الأوائل. ولا يكتفى المحبى بذلك، بل يقول أن معنى بيتى البابى دقيق، وفى رباعيات عمر الخيام بالفارسية من نوعه أشياء كثيرة، وبذكر أنه ترجم له رباعية تحمل هذا المعنى على هذه الصورة:
فى الاعتبار بمن مضى من قبلنا ... عبر وتلك هداية المسترشد
فالشقيق الأحمر القانى يستمد مما سفكته عيون الجميلات من دماء العشاق، والبنفسج الأحمر القاتم يستمد من خيلان وجناتهن. وكل ذلك بعد فى التصور والخيال.
وكان يرافق الزهد منذ القرن الثالث الهجرى نساك-كما مر بنا فى الفصل الأول-أقرب إلى المتصوفة منهم إلى الزهاد فى مقدمتهم ابن الجلاّء، وكانت الشام ساحة كبرى للنساك يؤمونها.
طوال هذا القرن والقرون التالية من العراق وإيران ومصر. واشتهرت جبال لبنان وأنطاكية بكثرة من كانوا يقيمون بها للنسك والعبادة، وامتد ذلك إلى دمشق وجبالها وغيرها من بلاد الشام.
وذكرنا فى الفصل الأول نزول الغزالى بها سنة ٤٨٨ وأنه أخذ يستضئ بقوة بما كتبه أبو نصر السراج والقشيرى فى الوصل بين أهل الشريعة من الفقهاء وأهل الحقيقة من المتصوفة، فلا شريعة بدون عمل القلب وصدق السريرة ولا تصوف بدون أداء الفرائض والنوافل. وبذلك سدّ الثلمة التى كانت تفصل بين الجماعتين وأحكم الروابط الدينية بينهما. وزادها دعما نزول حملة الصليب بديار الشام مما جعل حكام دمشق التابعين للدولة السلجوقية يكثرون من بناء الخانقاهات والرباطات للمتصوفة. وتبعهم فى ذلك نور الدين حين أصبحت الشام فى قبضته، بل لقد اتسع فى العناية بهم ورصد النفقات عليهم. وظلت هذه العناية متصلة فى عهد صلاح الدين وخلفائه