فأقام العماد الأصبهانى مقامه، وأضاف إليه-كما هو معروف-التدريس فى مدرسته المعروفة باسم المدرسة النورية الشافعية. ووصله القاضى الفاضل بصلاح الدين فرسم باستكتابه فى ديوانه بالشام، وسنفرد له ترجمة مجملة، وهو أكبر كتاب الدولة الأيوبية فى دمشق والشام غير منازع.
وتتحول الشام إلى إقطاعات بعد زمن صلاح الدين، حتى ليوشك أن يكون لكل بلد أمير أيوبى، ويتخذ كل أمير لنفسه كاتب رسائل نابه، وكان بينهم غير مصرى مثل ابن النبيه كاتب الأشرف موسى، وهو مشهور بين شعراء الغزل فى مصر، ومثل عبد الرحيم بن على بن شيث المتوفى سنة ٦٢٥ صاحب ديوان الإنشاء للمعظم عيسى الأيوبى صاحب دمشق، وله كتاب فى عمل الدواوين وتقاليد الكتابة الديوانية لزمن الدولة الأيوبية سماه «معالم الكتابة ومغانم الإصابة» وهو مطبوع قديما ببيروت، وهو أحد مصادر كتاب صبح الأعشى للقلقشندى. ويكثر منذ هذه الدولة ودولة المماليك أن يعهد برياسة ديوان الإنشاء بمصر إلى من يظهرون تفوقا فى إسناد هذا الديوان إليهم بدمشق، ونذكر منهم تاج الدين أحمد بن الأثير الحلبى المنشئ المتوفى سنة ٦٩١ للهجرة، عمل فى ديوان الإنشاء بدمشق، ثم انتقل منه إلى ديوان الإنشاء بالقاهرة فى عهد الظاهر بيبرس وقلاوون، وظل يترقى إلى أن ولى كتابة السر، ويقول ابن تغرى بردى:«لكلامه رونق وطلاوة» ويذكر من إنشائه كتابا عن قلاوون إلى صاحب اليمن بفتحه لطرابلس واستيلائه عليها من أيدى الصليبيين نوّه فيه باستعلاء قلاوون على غيره من الحكام القاعدين عن منازلة حملة الصليب الغارقين فى اللهو، يقول (١):
«وكانت الخلفاء والملوك ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسه، مكب على مجلس أنسه، يرى السلامة غنيمة، وإذا عنّ له وصف الحرب لم يسأل منها إلا عن طرق الهزيمة، قد بلغ أمله من الرتبة وقنع من ملكه بالسّكّة والخطبة، وأموال تنهب، وممالك تذهب».
ويريد بالسكة ضرب النقود ونقش أسمائهم عليها كما يريد بالخطبة دعاء خطباء المساجد لهم فى ختام خطابتهم يوم الجمعة. وتولى بعده كتابة السر فى القاهرة ابنه عماد الدين حتى توفى سنة ٦٩٩ وشغل مكانه أخوه علاء الدين على فى عهد محمد الناصر بن قلاوون.
وأكبر كتاب الشام الذين رأسوا ديوان الإنشاء بدمشق والقاهرة الشهاب محمود المتوفى سنة ٧٢٥، وقد مرت ترجمته بين شعراء المديح واحتفظ القلقشندى فى صبحه بنماذج كثيرة من رسائله