للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو صاعقة من السماء، وهى تثير الحصى فى وجه فرسه، والفرس لا ينثنى عنها حتى أفرد الحمار من دون صواحبه وصاده الغلام، وجاء به جريحا تنزف دماؤه.

وواضح أن زهيرا استتم فى هذا الوصف الدقيق كل براعته سواء من حيث توشيته بالتشبيهات، أو من حيث ملؤه بالحياة والحركة الجسدية والنفسية. وله قطعة لا تقل عن هذه القطعة جمالا وروعة فى قصيدته الدالية التى رواها المفضل الضبى، وفيها يصف بقرة وحشية شبه بها ناقته فى سرعتها، ومضى يستكمل وصفها مستطردا إلى مطارة الصائد لها بينما تفترس السباع أحد أفلاذ كبدها، يقول:

كخنساء سفعاء الملاطم حرّة ... مسافرة مزءودة أمّ فرقد (١)

غدت بسلاح مثله يتّقى به ... ويؤمن جأش الخائف المتوحّد (٢)

وسامعتين تعرف العتق فيهما ... إلى جذر مدلوك الكعوب محدّد (٣)

وناظرتين تطحران قذاهما ... كأنهما مكحولتان بإثمد (٤)

طباها ضحاء أو خلاء فخالفت ... إليه السّباع فى كناس ومرقد (٥)

أضاعت فلم تغفر لها غفلاتها ... فلاقت بيانا عند آخر معهد (٦)

دما عند شلو تحجل الطير حوله ... وبضع لحام فى إهاب مقدّد (٧)


(١) الخنساء: بقرة الوحش سميت بذلك لتأخر أنفها ومثلها الظباء لأنها جميعا فطس خنس. سفعاء الملاطم: السفع سواد فى حمرة. والملاطم: الخدان. مزءودة: مذعورة، مسافرة: ترحل من موضع إلى موضع. الفرقد: ولد البقرة.
(٢) يريد زهير بالسلاح قرنى البقرة. الجأش: الصدر. المتوحد: الوحيد المنفرد.
(٣) سامعتين: أذنين. العتق: الأصالة. ومعرفة العتق كناية عن أنهما محددتان منتصبتان. إلى جذر: إلى هنا بمعنى مع، والجذر: الأصل. ومدلوك: أملس. والكعوب: جمع كعب وهو ما بين المقدتين فى القرن. وزهير يريد بالشطر الثانى وصف قرنيها بأنهما أملسان محدد الرأس.
(٤) ناظرتين: عينين. تطحران قذاهما: ترميان به وتنفيانه. الإثمد: كحل أسود.
(٥) طباها: دعاها. ضحاء: رعى الضحى. خلاء: خلو المكان. فخالفت إليه السباع: أى اختلفت إلى ولد البقرة. الكناس: بيت فى الشجر تستتر فيه البقر أو تستر أولادها من الحر والبرد.
(٦) أضاعت: تركت ولدها وغفلت عنه. البيان: ما استبانته عند ما رجعت ووجدت بقايا ولدها من بعض الجلود واللحم والدماء. آخر معهد: آخر موضع تركته فيه.
(٧) الشلو: بقية الجسد. البضع: جمع بضعة وهى القطعة. اللحام: جمع لحم. الإهاب: الجلد. المقدد: المشقق المخرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>