أو يعود الحكم فى مصر ثانية إلى ما حدث فى الدولة الفاطمية من عواقب وخيمة لأن يصبح الحكم وراثيا. ويكفى أن نعرف أن ثمانية من أبناء الناصر تولوا الحكم إحدى وعشرين سنة مما يعنى عدم الاستقرار، وكان منهم من يعيش للهو وسماع المغنيات مثل السلطان الصالح إسماعيل والسلطان شعبان، ومثل السلطان زين الدين، وكان فى الحادية عشرة من عمره، وفى نفس السن تولى أخوه السلطان حسن وفى عهده انتشر وباء الطاعون بالقاهرة. وتخلفه فترة يحكم فيها أحفاد الناصر لمدة عشرين عاما، وكثير منهم كان صبيّا، كما ذكرنا، فكان طبيعيّا أن يفسد الحكم فى عهدهم فسادا شديدا. وفى سنة ٧٦٦ سوّلت لحاكم قبرص بطرس لوزيجنان شياطينه أن يغير على الإسكندرية، فأغار عليها لمدة ثلاثة أيام، ثم ولّى بمن معه هاربا حين علم باقتراب الجيش المملوكى.
وطبيعى وقد فسد حكم آل قلاوون فسادا لا صلاح له بعده، أن يحاول المماليك التخلص من هذا الحكم، وكانت مجموعة المماليك البرجية قد أخذت تظهر على مسرح الحوادث، وأخذوا يسيطرون على أداة الحكم منذ وفاة الناصر محمد بن قلاوون، وأخذ نجم برقوق من بينهم يعلو فى سماء مصر، ومازال يدبر للأمر هو وأعوانه حتى أطاحوا بأحفاد قلاوون وتسلم مقاليد الحكم سنة ٧٨٤ وظل فى أيدى المماليك البرجية إلى نهاية الدولة المملوكية، وكان أديبا يهتم بمجالس الأدب والعلم، وخلفته طائفة من المماليك البرجية مثل شيخ وبرسباى وجقمق وقايتباى والغورى. وظل برقوق على رأس الدولة حتى توفى سنة ٨٠١ إلا ما كان من سنة واحدة أبعد فيها عن الحكم وهى سنة ٧٩١ وسرعان ما عاد إليه. وتكثر فى زمن هذه الدولة البرجية المنافسات بين الأمراء، كما يكثر فرض الضرائب على الشعب. ويهبّ بأخرة من حكم برقوق إعصار تتارى جديد، يقوده تيمورلنك، وينزل الإعصار بالعراق والموصل ويستصرخ الحكام هناك برقوق، ويشغل تيمورلنك بغزو الهند حينا، فيعلن أحمد بن أويس حاكم بغداد تبعيته لبرقوق رجاء أن يحميه من الطاغية المغولى، ويكتب له برقوق تقليدا أو مرسوما بنيابته عنه فى بغداد ويزوده بالمال والعتاد والرجال، ويعود تيمور سريعا ويستولى على بغداد. وفى هذه الأثناء يتوفى برقوق بينما يتجه تيمور بجيشه إلى الشمال يريد الاستيلاء على الشام، ويستولى على حماة وحمص وبعلبك، وكان مماليك برقوق قد ولوا عليهم ابنه فرجا، فخرج على رأس جيش للقائه ولكنه هزم بالقرب من دمشق سنة ٨٠٢ ودخل تيمور دمشق وظل جنوده فيها مدة ينهبون ويسلبون ويأتون من الفظائع ما صوره ابن عربشاه فى كتابه عجائب المقدور فى نوائب تيمور، مما اضطر السلطان فرجا إلى قبول الصلح