شواطى إفريقيا الشمالية إلى بلاد الموصل، وتدخل فى حوزتهم اليمن والحجاز فى أغلب أيامهم.
وينعم الفاطميون بالخراج الذى أخذ يتزايد من نحو مليون ومائتى ألف دينار حين نزل جوهر الصقلى القاهرة إلى خمسة ملايين ونصف من الدنانير لعهد الخليفة المستعلى. وكانت المكوس تفرض على كل شئ حتى قال المقريزى إنه لم يسلم منها حينئذ إلا الهواء. ويذكر المقدسى أنه كان يجبى من تنيس يوميا ألف دينار على ما تنسج من الثياب، ويقول المقريزى إنه بلغ المتأخر على تنيس فى ثلاث سنوات مليون دينار ومليونى درهم، وبالمثل كانت تجبى مكوس كثيرة على ما ينسج من الثياب فى شطا ودمياط ودبيق والإسكندرية، ويقال إنه جبى من تنيس ودمياط والأشمونين فى يوم واحد ٢٢٠ ألف دينار. ومما كانت تجبى عليه المكوس الشّبّ والنّطرون. وكانت تفرض مكوس على الحمامات، وكانت تعدّ بالمئات فى الفسطاط والقاهرة، وعلى الحوانيت، ويذكر ناصر خسرو أنها كانت تبلغ فيهما نحو عشرين ألفا، وكان إيجار الحانوت يتراوح بين دينارين وعشرة دنانير شهريا. وبجانب هذه المكوس كانت هناك الجوالى التى يدفعها أهل الذمة.
وكانت-كما يقول ابن مماتى فى كتابه قوانين الدواوين-تفرض مكوس على المتاجر الصادرة والواردة تبلغ نحو عشرين فى المائة من العروض أو البضائع. وكانت هناك حبوس كثيرة أو بعبارة أخرى أوقاف محبوسة على وجوه البر، أخذت تتزايد منذ نهض الليث بن سعد فقيه الفسطاط فى القرن الثانى-لأول مرة-بهذا الصنيع. وكل ذلك كان يصبّ فى خزائن الدولة الفاطمية، حتى لتصبح مصر وكأنها فردوس العالم العربى، وفيها يقول المقدسى: «هى الإقليم الذى افتخر به فرعون على الورى. . أحد جناحى الدنيا، ومفاخره لا تحصى، مصره (يريد الفسطاط) قبة الإسلام ونهره أجل الأنهار، وبخيراته تغمر الحجاز، وبأهله يبهج موسم الحاجّ، وبرّه يعمّ الشرق والغرب، قد وضعه الله بين البحرين (الأحمر والمتوسط) وأعلى ذكره فى الخافقين، حسبك أن الشام-على جلالتها-رستاقه (قراه) والحجاز-مع أهلها-عياله».
وطبيعى أن تتضخم-مع هذا الثراء الهائل فى مصر-الطبقة العليا: طبقة الأسرة الفاطمية ووزرائها وقوادها وكبار موظفيها وأشراف العلويين وكبار إقطاعييها وتجارها. وقد أكثر الفاطميون من الإقطاع للوزراء والقواد، وكان عندهم نظامان للإقطاع: إقطاع تمليك يورث وإقطاع استغلال يمنح حق الانتفاع لشخص بعينه ولا يورث. ويروى أن يعقوب بن كلّس أول وزرائهم بمصر كان راتبه فى العام مائة ألف دينار، وقالوا إنه لما توفى ترك من الجواهر ما قيمته أربعمائة ألف دينار ومن المصوغات ما قيمته نصف مليون دينار. وذكر ابن خلكان أن وزيرهم فى أوائل القرن