السادس الهجرى الأفضل بن بدر الجمالى ترك ستمائة مليون دينار ومائتين وخمسين إردبا دراهم وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج وثلاثين راحلة حقاق ذهب، ودواة ذهب محلاة بجوهر قيمته اثنا عشر ألف دينار ومائة مسمار من ذهب وزن كل مسمار مائة مثقال فى عشرة محابس فى كل محبس عشرة مسامير على كل مسمار منديل مشدود مذهب بلون من الألوان وخمسمائة صندوق كسوة لخاصته من نسج تنيس ودمياط، وخلّف من الرقيق والخيل والبغال والجواميس والبقر ما لا يعلم قدره إلا الله. وكأنما حوّل كل أموال مصر فى عهده إلى خزائنه، وأى خزائن إن أكبر مليونير أمريكى فى عصرنا لا يبلغ من الثراء مبلغه. وحتما كانت تحدث بمصر أحيانا مجاعات بسبب نقص النّيل والقحط، كما مر بنا فى عهد المستنصر، وقد تحدث أوبئة، ولكن مصر كانت تنفض عنها ذلك دائما وتعود سريعا إلى رخائها الذى أتاح للوزيرين السالفين كل هذا الثراء.
وإذا كان هذا حال وزيرين فما بالنا بأحوال الخلفاء وما كانوا يغرقون فيه من ثراء وترف، ويكفى لبيان ذلك أن نعرف أنه بعد أن تقوّضت الدولة واستولى صلاح الدين على مقاليد الحكم كشف حاصل الخزائن الخاصة بالقصر الفاطمى، فإذا به من الكنوز ما لا يكاد يخطر ببال، حتى ليقول المقريزى:«خرج من القصر ما بين دينار ودرهم ومصاغ وجوهر ونحاس وملبوس وأثاث وقماش وسلاح ما لا يفى به ملك الأكاسرة ولا تتصوره الخواطر الحاضرة ولا يشتمل على مثله الممالك العامرة ولا يقدر على حسابه إلا من يقدر على حسابات الخلق فى الآخرة».
ولعل فى كل ذلك ما يدل على الثراء والترف والبذخ فى أيام الدولة الفاطمية، ويزخر حديث المقريزى وغيره بملابس الخلفاء وعمائمهم المرصعة بالجواهر وما كانوا يتخذون من زينة فى أثاثهم وأوانى طعامهم وفى قصورهم وبساتينها وأروقتها وأفنيتها وأعمدتها وأرضها المفروشة بالرخام المتعدد الأولان، مما بهر ناصر خسرو فى القرن الخامس، كما بهر غليوم رئيس أساقفة صور فى نهاية أيام الفاطميين سنة ٥٦٢ على نحو ما يلقانا فى كتاب كنوز الفاطميين. ويقول ناصر خسرو إن أهل القاهرة كانوا يعنون بزراعة الأزهار فى سطوح منازلهم حتى لترى كأنها حدائق، ومما يدل على سعة الرخاء لعهده ما ذكره عن سيدة بمصر كانت تملك خمسة آلاف قدر، تؤجّر كل قدر منها بدرهم. ولعل فيما ذكرنا من هذا الرخاء والترف ما يدل على أن الصناعة كانت مزدهرة بمصر، وكان العائد منها على الصناع عظيما وبالمثل كانت التجارة وأيضا الزراعة. وكل شئ يؤكد أن الفلاحين كانوا يتعاملون مع الملاك بنظام المزارعة الموجود حتى الآن، فللمالك نصف المحصول وللزارع أو الفلاح النصف الآخر، وتلقانا فى النصوص كلمات الخولى والسائس والحرّاث والجناينى