ويبدو أن مصر أخذت تعنى عناية واسعة بالغناء منذ هذا العصر، حتى لنجد ابن الطحان يؤلف فى الغناء والمغنين كتابا. وشاع النبيذ والشراب بأكثر مما كانا يشيعان فى الأزمنة السابقة لكثرة الوافدين على مصر من الشرق للدعوة الفاطمية، وكأنما حملوا إلى مصر شغف بيئاتهم-وخاصة إيران-به.
واتسع الفاطميون بالأعياد الإسلامية، وهى-كما يقول المقريزى-موسم رأس السنة، ويوم عاشوراء، ومولد الرسول صلّى الله عليه وسلم، ومولد على، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد فاطمة الزهراء، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان أو غرّة رمضان، وسماط رمضان من اليوم الرابع حتى اليوم السادس والعشرين، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد الأضحى، وعيد الغدير (الذى يؤمن الشيعة بأن الرسول عهد فيه بالخلافة إلى على بن أبى طالب) وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج (وفاء النيل) وعيد النيروز (أول الربيع) وهو عيد فارسى كان الناس يوقدون فيه النار ويرشون الماء. ومن أعياد النصارى عيد الغطاس وعيد ميلاد المسيح وخميس العدس قبل عيد الفصح بثلاثة أيام وفيه يأكل القبط العدس، وعيد الزيتونة وهو يوم أحد الشعانين، وكانت الكنائس تزيّن فيه بأغصان الزيتون وقلوب النخل. وبعض هذه الأعياد كانت تتحول كرنقالات كبيرة، إذ يقول المقريزى:«كان الناس بمصر يخرجون فى بعض الأعياد ويطوفون الشوارع بالخيال والتماثيل والسماجات» والخيال هو لعبة خيال الظل المضحكة التى تحولت مع الزمن إلى لعبة الأراجوز المعروفة، ولعل التماثيل هى نفس أشباح الأراجوز، أما السماجات فأشخاص يتراءون فى صور منكرة مضحكة، وقد يحاكى نفر منهم شعوبا أجنبية وكأن ظاهرة ضحك المصريين من أصحاب الرطانات فى العربية وغيرها قديمة. وكانوا يتسلّون بنطاح الكباش ومهارشة الكلاب والديكة. وبينما كان الفاطميون وأهل القاهرة مقبلين على هذه الملاهى كان الصليبيون-كما مر بنا-قد نزلوا بالشام واحتلوا بيت المقدس وأنطاكية وأكثر ثغورها، وكان لا بد من منقذ ينقذ مصر والبلاد الشامية مما أصابهما من فساد شديد فى أداة الحكم.
وانتقل الحكم والسلطان إلى صلاح الدين وأسرته الأيوبية، وفى عهده وعهد الأسرة جميعا تحولت مصر إلى ثكنة عسكرية ضخمة، وسرعان ما أخذت تباشير النصر على الصليبيين تلوح، بل سرعان ما تهاوت قلاعهم تحت أقدام المصريين، وتهاوى معها بيت المقدس، وردّت الديار